للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

عمر بالخير، فالتقى به المغيرة وقال له: بلغني يا أمير المؤمنين أنك خطبت لنفسك أم كلثوم بنت أبي بكر، وهذا أمر أعيذك بالله منه، وأرى من الخير لك ولها ألا يتم، وما أقول هذا رغبة بك عنها أو رغبة بها عنك، ولكني أقوله يا عمر لأني أحبك وأبغي لك سعادة البيت، فأنت تعلم ويعلم الناس جميعاً أن بنت الصديق قد نشأت في كنف أبيها، وقد كان رحمه الله لين الجانب، طويل الأناة، رحب الصدر، كبير الرفق، فتعودت ابنته ألا تعامل إلا بلين الجانب وطول الأناة ورحابة الصدر وحسن الرفق. فلما انتقل أبو بكر إلى جوار ربه انتقلت ابنته إلى جناب عائشة، وعائشة كما تعلم امرأة، عندها من العطف واللين والرفق أكثر مما كان في نفس أبي بكر. وأنت يا عمر رجل شديد المراس، قوي الشكيمة، تأخذ الناس بالشدة والعنف، وأنت على النساء أشد، وفي معاملتهن أعنف، ونحن نهابك وما نقدر أن نردك عن خلق من أخلاقك، فكيف بها إن خالفتك في شيء فسطوت بها؟ لا جرم كنت قد خلفت أبا بكر في ولده بغير ما يحق عليك، وأبو بكر مكانته في المسلمين كبيرة، وحرمته عندنا واجبة، فليس من صواب الرأي وسداده أن تكون لك ابنته على ما تعودت في حياتها ونشأت في تربيتها، وعلى ما أنت عليه من ميول وأخلاق شديدة. وإذا كنت قد كلمت عائشة، فأنا أكفيك أمر عائشة؛ وإذا كنت ترغب في الزوجة الصالحة، فأنا لك بأم كلثوم بنت علي من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقد انتهى الأمر على هذا التدبير يا ابن عفان، وقد علمت أن مسعى المغيرة قد ارتاحت له عائشة، واطمأن إليه عمر، وطابت به نفس ابنة الصديق

قال ابن عوف: ألا تقصرون من حديث عمر؛ فها هو ذا مقبل علينا يقتصد في مشيته، وإني لألمحه منبسط الأسارير مفتر الثغر، فلا بد أن يكون وراءه بشرى حميدة، تطيب لها القلوب وتطمئن بها النفوس، وما أتوقع من ذلك إلا الخبر فيما تتحدثون به، فانتظروا. . . وأقبل عمر على القوم بالسلام وأخذ مجلسه بينهم وهو يقول: رفئوني يا أصحاب الرسول، رفئوني يا أبناء العشيرة. قالوا جميعاً: قد رفئناك ولكن بمن يا أمير المؤمنين؟ فما انتهى إلينا في أمرك خبر قاطع، ولا صح عندنا نبأ صادع

قال عمر: إنه لخير وبركة إن شاء الله، فقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: كل نسب وسبب منقطع يوم القيامة إلا نسبي وسببي، وأنا والحمد لله قد وصلت به السبب ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>