للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كل دار لهم على جنبات المعمور، أرفعُ هذا الصوت على النيل، في فرحة البيت المصري بصاحب التاج، فينجلي الحجاب، ويبش وقار المْلك وبأنس عرش (محمد علي) لرسول الأحبة من ارض (بشير)!

فيا فاروق، يا لابس المطرف (العلويّ) ووارث الميثاق: هذه رسالات الوفاء في يدي، أحملها إليك من وراء قنال (السويس)، من نهايات شطه الآخر، حيث لا ينبسط القتال في ظن القلوب بين بيروت والقاهرة، ولا يشطر دار الهوى في خطرات (محمد علي) وسرائر (بشير)، فكأن معاول (دي ليسبس) عند عقدة (الأبيض المتوسط) و (الأحمر)، وأوشك التلاقي بين لوني آسيا، وأفريقيا، في مخطط الدنيا، لم يُسمع لها رنّة على الساحل الشرقي من (المتوسط)!

وهكذا تسلم علاقة الماضي بين جبل المقطم وجبل الأرز، لا يحول دونها خط (السويس) في الخارطة، وهي من إرث الوجدان قبل عهد الخلائق بالورق. . .

كان التراب أمس - كما تدري - أوفر أثراً من الماء في علائق البشر، وتعمير الممالك، ونقل المدنيات؛ بل كان مدار العقل القديم في تأليف الأمم، ومزج الأجناس، قبل أن يصبح المدار على دم العرق، وهوى الضمير، ولغة الفم، ففي ذلك الأبد السحيق كان من المتحتم أن يغدو هذا الشاطئ المشرقي المنطرح من مباسط (طوروس) إلى مشارف (أسوان) ملعباً لدورين ينقص تاريخ البشر يوم يسقط لهما ذكر! لنا دور منهما ولمصر الآخر. فرجت كرة الأرض يومئذ من الحركة المشرقية. فالملعب عريض، قبالة الأمم على (المتوسط)، والرواية رواية المدنية، وأصحابها أساتذة الأزمنة في رفع الحجر إلى الجو، وإخراج النبتة من الأرض، وإبراز خاطرة البال في حلة الحرف، وربط هذه المخيّلة البشرية بالغيب العالي، فشهدت الدنيا القديمة، للمرة الأولى، كيف العهد بآفاق يراد لها وحدة، وشعوب يراد لها تأليف، وإذا الشمس لا جديد تحتها؛ فكرة من صوب مصر علينا، وكرّة من صوبنا على مصر، حتى تتعب الأزمنة بين أخذ ورد. فكان عبثاً مجيء (كنعان) من جوار الجبل اللبناني، ووادي مصر أغبر، وماء النيل هدره، فيسمح بالخضرة، هاهنا، على كل فج عميق. وكان عبثاً أن يقطع (تحتمس) إلينا، حتى يبلغ ضفاف (الفرات) ويكاد يشرف على صفرة آسيا، كما كان من العبث أن يقطع (سلاتيس) إليكم حتى يبلغ ضفاف النيل ويكاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>