للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي صباح اليوم التالي قابلت حضرة النائب المحترم وذكرته باقتراح حضرة الأستاذ بهجة الأثري، فأراد أن يتحلل من الوعد فتكلفت الغضب وقلت في سخرية مصطنعة: كذلك تكون وعود النواب!!

ولم تمض غير ساعات حتى انتقلت إلى منزل آخر في شارع السموءل

ولكن كيف انتقلت بهذه السرعة في يوم واحد؟

ذلك أمر كان يعجز عنه السنهوري والزيات وعزام

والواقع أني رجل خطر جداً، فقد أمسيت أعرف بغداد كما أعرف باريس؛ ومعرفتي بهاتين المدينتين تساوي جهلي بمدينة القاهرة التي لا أعرف منها غير ثلاثة أحياء. أما الإسكندرية فلا أعرف منها غير الشاطئ الذي تعطره أنفاس الملاح في الصيف

ولكن لماذا اخترت شارع السموءل؟

لأنه شارع البنك وجميع سكانه من أهل المال، وأهل المال في الأغلب لا يعتدون على الأعراض، وإنما يعتدون على الجيوب. فالشرطة في مثل هذا الشارع لا تفكر في الفجرة وإنما تفكر في اللصوص، وكذلك تعودني ظمياء بلا تهيب، لأن المآثم في هذه الجادة قليلة الخطورة بالبال، وذلك كل ما أتمناه للسلامة من أهل الفضول

وقد عز عليّ أن يتطاول بنو إسرائيل على اسم السموءل فيسموا به شارع البنك؛ وكان السموءل على يهوديته عربياً سخي اليدين، فما كان ضرهم لو نطقوا أسمه على طريقتهم فقالوا (صمويل). ثم تذكرت أن السموءل كان أقدم من عبر عن ضمائر البنوك حين قال:

وننكر إن شئنا على الناس قولهم ... ولا ينكرون القول حين نقول

فالبنك هو الذي ينكر ما تقول، ولا تستطيع أن تنكر ما يقول، فهو الفيصل في التصحيح والتزييف

ولعل انتقالي إلى شارع السموءل يدخل على طباعي بعض التعديل. ولعلني أكتسب شيئاً من أخلاق بني إسرائيل، فان الحب يبدد ما اجمع من المال. أليس من السفه أن أراني مسئولاً عن طوائف من البيوت تُسدل ستائرها على طوائف من الوجوه الصِّباح؟ وهل رأى الناس حالاً أغرب من حالي وأنا أنفق على بيت في النمسا منذ سبع سنين لأن فيه فتاة جميلة كانت ترافقني في السوربون؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>