للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فيها التبادل كما يقول (نوفيكو)، كما أنها ليست مجرد علاقات أفراد بعضهم ببعض، ولكنها روح دافع غلاب في كل فرد كما يقول (ماك إيفر)، وها هو (هوبهوس) يقول إن الجماعة توجد في أفرادها، إن كل فرد فيها مركز اتصال، وإن هذا الاتصال يتوقف قوة وضعفاً على الفرد نفسه ويؤثر فيه، وإن الأفراد إنما يتحسن شأنهم ويرتقى باتصالهم بغيرهم

وقد يبدو للبعض أن الرجعية والبطء في التطور والتجديد طبيعة في الجماعة ثابتة، ولكن الراجح أن التربية العميقة هي المسئولة عن ذلك كله. ولذلك نرى التربية الديمقراطية تدعو إلى سعة الصدر وحرية الفكر ومرونة العادات، وتصرح قائلة على لسان (جون ستيوات مل): (ويل للزمن الذي لا يجرؤ على الشذوذ فيه إلا الأقلون)!

أما الفرد فهو أنت وأنا أيها القارئ العزيز! وكم أحُتقر وازدري في الدهورالغابرة، وحُرم حرية الفكر والحركة والحياة، وكم اعتز بشخصيته، وعلا وتكبر، واعتبر نفسه مقياساً للأشياء جميعاً من حق وباطل، وخير وشر، وجمال وقبح - في عهد السفسطائيين؛ ولو شئت الحقيقة في أمر هذا الفرد لعرفت أنه لا يستطيع أن يكون (مطلقاُ) بحال من الأحوال! وهل من مطلق في الطبيعة غير الله؟ سر إلى الصحراء إذا شئت وعش هناك وحيداً إذا استطعت، فلن تجد (الجماعة) إلا محيطة بك عن يمينك وعن شمالك ومن خلفك ومن قدامك، ألم ترث عنها ما قد ورثت عن آبائك وآجدادك؟ ألا تفكر بمنطقها؟ أو لا تهجس بلهجتها؟ ثم ألا تستفيد من تجاربها العملية في كل ما تتخذ من سلاح وغطاء ودثار؟

نحن إذاً مدينون للجماعة حاضرها وماضيها بكل شيء تقريباً وإذاً فلا أقل من أن نعطيها من أنفسنا بعض هذا الدين الذي لو عشنا دهوراً لما وفيناه؛ ولكن الجماعة مع ذلك مدينة لبعض الأفراد هي أيضاً؛ إلا يقول: (كارليل) ما تاريخ الإنسانية إلا تاريخ عظمائها؟ وإذا فلا أقل أيضاً من أن تحترم الجماعة الفرد وتشجعه على خدمتها، وتسمح له بإصلاح ما فيها من عيوب والسمو بها إلى مثله العليا. وإذ كان الجمال في الفن هو (كثرة) تسيطر عليها (وحدة) كما يرى الأستاذ (كوزن) في كتابه الفريد: (الخير والحق والجمال)، فإن (السير برسي نن) يرى أن تاريخ الإنسانية يتطور ويتقدم نحو (الفردية) المتزنة، وكلما قطع في تطوره شوطا كلما كانت الحياة أسمى وأهنأ وأرفع وأخصب

وإذا كان الأمر كذلك فماذا عسى أن تكون العلاقة الصالحة بين كل من الجماعة والفرد؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>