للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

على الديموقراطية جناية نكراء، ألم تحول إيطاليا المدارس إلى ثكنات عسكرية يحرم فيها النشء من أشياء في الحياة كثيرة، ويساق سوقاً إلى نظام تعسفي مرذول فرضته سياسة خاصة قوامها الوطنية المتعصبة التي لا يضيرها احتراق بعض العالم ما دام في ذلك خير لها؟

وبعد فتلك هي الجماعة، وهذا هو الفرد كما تتصورهما الديمقراطية الحديثة، جماعة مرنة متجددة، وفرد حر خادم مطيع ثم تقدم يدفع بهما معاً نحو (الأحسن) قوامه الحرية والنية الفاضلة. . . ولما كانت التربية هي الوسيلة الوحيدة الفعالة الجديرة (بخلق) هذه الجماعة وذاك الفرد، فإنها يجب أن تكون بحيث تستطيع خلقهما خلقاً صحيحاً يقي الإنسانية آفات الرجعية والجمود، ويوفر عليها حقارات أولئك الذين يسودون صفحات التاريخ!. ومعنى هذا أن تكون المدرسة مجتمعاً صغيراً تتوافر فيه جميع الأسباب التي تحرر العقول، وتطهر النفوس، وتغرس التعاون والإيثار، وتمهد للمجتمع الفاضل المنشود. . . ويتطلب ذلك بالطبع اتباع طريقة في التدريس خاصة، والعناية بدراسة معينة، أو معاملة الطلبة على أساس ديموقراطي مرسوم؛ ولست تطمع من غير شك في أن أمر معك بكل التفاصيل. حسبك أن تعلم أن رياضة الغلبة والتعصب والأنانية والتنافس، لا تؤدي بنا إلى شيء من هذا كله، وأن حشو العقول لا يحررها ولكنه يشلها ويبلدها، وأن الاهتمام بالحروب والاطناب في سير أبطالها يبرر ما فيها من نهب وسفك وهدم وتدمير لدى الناشئ الساذج البريء، وأن الدروس الإلقائية التي لا تطبيق فيها ولا تعاون لا تعمل أكثر من تكوين أفراد (لأنفسهم) قبل أن يكونوا لغيرهم، وان إعطاء كل شيء للطالب وتوفير مجهود البحث والاطلاع عليه يجعله اتكاليّاً عديم الثقة بنفسه والاعتماد عليها.

وأن. . . وأن. . . وأن. . . مما قلت وما سأقول، وما تستطيع أن تدركه أنت دون ذكره أو الإشارة إليه! كل ذلك لا يخلق الجماعة الديموقراطية المرنة المتجددة، ولا يتمخض إلا عن عقول العصافير، وإلا عن نفوس يملكها الركرد والخمول، وعن طوائف العصبية والانخذال، ونزعات الرجعية والأنانية والشهوة والجمود. . . وها أنت ذا ترى العالم يمجد سياسة الحروب ويدعو إليها ويجد وا أسفاه من الشعوب جنوداً مثلهم الأعلى الإسكندر وهانيبال وقيصر ونابليون. . أفكان ذلك يتأتى لو درس الطفل تاريخ الإنسانية لا تاريخ

<<  <  ج:
ص:  >  >>