للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وزيادة على ذلك فإن الحوادث الحيوية الموجودة في الجنين لا يمكن إيضاحها بصورة ميكانيكية: فنرى أن الشبكة العينية عند ذوات الفقرات ناشئة عن اتساع القسم الدماغي في الرشيم الحديث بينما هي عند النواعم مشتقة من الأدَمة أي من الخارج بصورة مباشرة لا بواسطة الدماغ. ومن هنا نرى أن العضو الواحد في حيوانات مختلفة لا يتشكل من نفس العنصر. والسبب في ذلك لا يمكن تعليله بالعناصر الميكانيكية في الرشيم ولا بشروط الإقليم والبيئة الموجودة فيها الرشيم. فتجدنا مضطرين إلى افتراض مبدأ مسيطر أي غاية واتجاه. وإذا اعترضنا على الميكانيكية والحركية هل نصل إلى شاطئ الصواب؟ كلا! فلا يسعنا لحل هذه المسألة إلا الرجوع إلى نظريات غير الحركية والآلية علنا نقرع باب الحقيقة ونلمسها بأناملنا العشر. فلنبدأ بذكر النظرية الحيوية فنقول: إن أصحاب هذه النظرية هم لروه وبارتس وكافة أطباء مدرسة (مونبيليه) وهم يعتقدون أن الحياة لم تنشأ إلا عن مبدأ خاص لا روح ولا شيء آخر، بل هو مبدأ حيوي وسط بين الروح والجسد. . . وقد تتجلى للقارئ قيمة هذا التعليل بمجرد ذكره فهو بدلاً من أن يوصلنا إلى حل هذه المسألة؛ أوجد لنا معضلة أخرى لذلك فان الحيويين مثل (بروسن) و (كابانيس وغيرهما من مدرسة باريس غيروا رأيهم فقالوا: ليست الحياة ناشئة عن مبدأ مفارق للجسد والروح؛ ولا عن خواص المادة. بل هي ناشئة عن خواص معينة حيوية من نوع ثابت معين موجود في الجسد، أي أن المادة فيها خاصة الحياة عدا خواصها المعروفة. وإذا عَرَّجنا الآن على نظرية العضوية القائلة: (إن الحياة هي وجوه الأعضاء في الجسم على هذه الصورة فهذا الوضع هو الذي أكسبها خاصة الحياة) نجد أننا لم نزل في غياهب جهل بحقيقة الحياة؛ بل كدنا أن نرتبك أكثر مما كنا فيه. إذن فلنبحث الآن في النظرية النفسية وهي النظرية التي تقول: (النفس مبدأ الحياة الأساسي). فإن الحياة تفارق الجسد عندما تفارقه النفس، وهي مبدأ العقل أيضاً فإننا نجد علاقة صحيحة بين الحياة العاقلة والحياة المادية أي أن مبدأ العقل هو مبدأ الجسد. ويثبت أصحاب النظرية النفسية رأيهم هذا بوجود الوحدة في الجسد بالرغم من هذه الكثرة، فبما أن في النفس غاية واحدة فهي إذن المبدأ الأول للحياة

ولا يمكننا إيضاح هذه الوحدة وهذا التناسق إلا بهذه الغاية الموجهة، إلا وهي النفس. على أننا لا نعرف بأية صورة تؤثر الروح في الجسد؛ وهذا الأمر شغل كثيراً من علماء النفس

<<  <  ج:
ص:  >  >>