للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[المثل الأعلى للشاب المسلم]

للأستاذ علي الطنطاوي

تتمة ما نشر في العدد الماضي

لقد انتهينا من تعريف المثل الأعلى والشباب والإسلام، فلنشرع في الموضوع:

قلت إن أندريه موروا وصف الشباب بصفتين أساسيتين: هما الحب والبطولة. أما الحب فهو عماد الحياة وركنها وأساسها، لا معدي عنه، ولا منجى منه. وأحسب أن الشباب الحاضرين، بل وكثراً من الشيوخ يصفرون لي وينزلونني عن المنبر، إذا أنا قلت لهم: (لا تحبوا)، وكيف أقولها؟ أجننت حتى أقول: (حطموا القلوب)، ودوسوا العاطفة. وماذا يبقى لنا إذا خسرنا العاطفة؟ لقد خسر أدوار عرش بريطانيا العظمى، ولكنه ربح العاطفة فلم يخسر شيئاً. لقد أنسته عينا مدام سمبسون ملك إنكلترا، فهل كان ينسيه هذا الملك الضخم، وهذا التاج المرصع، عيني سمبسون لو أنه هجرها. . .؟

العاطفة هي التي تدير دولاب حياتنا، وتسّير أمورنا كلها، أما العقل فلا يصنع وحده شيئاُ. من يذكر منكم أنه مشى خطوة واحدة برأي العقل وحده؟ العقل يا سادتي فيلسوف أعمى، حكيم مقعد، ينادي بصوت خافت ضعيف. . . أما العاطفة فهي القوة، هي النشاط، هي الحياة. . .

أنا لا أقول اقتلوا العاطفة، لأن في موتها موتنا، ولكن أقول إن العاطفة تضيق حتى لا تشمل إلا شخصاً واحداً، وتنحط حتى تنزل من قلب هذا الشخص إلى ما تحت القلب، إلى ما تحت. . . السرّة! وتسمو حتى تحيط بالمثل الإنسانية العالية، وتعمّ حتى تشمل الأمة كلها، بل الإنسانية جمعاء. فاسموا بعواطفكم عن مواطن شهواتكم، واخرجوا بها من ذواتكم، وقفوها على أمتكم وبلادكم

أحبوا، فإن الذي لا يجب لا يكون إنساناً، واذكروا واحلموا وتألموا. . . ولكن افهموا الحب بمعناه الواسع الذي يشمل كل ما هو حق وخير وجميل. . . لا المعنى الضيق العقيم، الذي لا يتجاوز حدود جسم امرأة. . . أحبوا، ولكن ابقوا مسلمين. إن للمسلم قلباً، قال الله عز وجل: (إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)، ولكن المسلمين يغضون عيونهم وقلوبهم وفروجهم (إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>