للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأجابته أمه (صه!. . بابا يكتب. . . صه!)

كان الأب يكتب بسرعة مدهشة دون توقف، دون أن يمحو حرفا أو يشطب كلمة وليس عنده من الوقت ما يتسع لقلب الصفحات أما التماثيل النصفية والصور الشمسية لمشهوري المؤلفين فكانت ترقب يراعه الجوال وقلبه السيال وكأنها تفكر (اها. . . أخواه استمر. . . .)

خدش القلم (صه)

فجلجل المؤلفون وقد اهتزوا بدفعة من ركبة الكاتب (صه) عاد كرازنوكين إلى نفسه ووضع قلمه وتسمع. فسمع همسات متزنة لا تنقطع. وكان ذلك صوت فوما نيكوليتش الساكن معهم وهو يصلي في الغرفة المجاورة.

فناداه كرازنوكين (أعرني سمعك!. أما تستطيع الصلاة بأسرع من هذا؟. . انك تحول بيني وبين الكتابة)

فأجابه فوما نيكوليتش بحياء ووداعة (أستمحيك العفو يا سيدي) (صه!)

بعد أن كتب صفحات خمساً تمدد ونظر إلى الساعة وتأوه. (يا للسماء!. . الساعة الثالثة!. . الناس جميعا مستريحون نيام. . . وأنا وحدي. . أنا. . يجب علي أن أعمل)

بعد أن استفرغ العمل جهده وأفنى قوته أخذ طريقه إلى المخدع ضارع الجسم، واهن القوى ورأسه ساقط على عاتقه. أيقظ زوجه صائحا بها مكدود الصوت (ناديا. . . قدحاً آخر من الشاي. . . إني. . . إني أشعر بضعف)

كتب إلى الساعة الرابعة وود لو استمر في كتابته إلى الساعة السادسة بيد انه أنجز عمله وفرغ من موضوعه

زهوه العجيب وفرحه الغريب بهذه الأعمال الجامدة ولا بصيرة عنده ولا فراسة له! استبداده وجوره، عسفه وظلمه، في مسكن النحل الصغير التي خولت له الأقدار السلطان عليه وأعطته مقاليد الأمر فيه. هذه عنده أطايب الحياة وزبدة ما فيها.

كم يشابه هذا الاستبداد الذي تراه في المنزل هذه الأجناس الذليلة الصامتة التي يخالط كلامها التورية والتي اعتدنا رؤيتها في مكاتب الصحف.

قال لنفسه وهو ذاهب لفراشه (إني تعب جدا حتى يخيل إلي إنني لن أستطيع النوم. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>