للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لها وإعجابها، وحرصي على أن يقرأها الناس. ولكن الناس مع الأسف لا يقرئونها لأنهم لا يريدون، أو لأنهم لا يستطيعون. فإذا استطاع هذا الكتاب أن يحبب إلى الشباب قراءة كتب السيرة خاصة وكتب الأدب العربي القديم عامة، والتماس المتاع الفني في صحفها الخصبة، فأنا سعيد حقا موفق حقا إلى أحب الأشياء إلي وآثرها عندي.

وإذا استطاع هذا الكتاب أن يلقي في نفوس الشباب حب الحياة العربية الأولى، ويلفتهم إلى أن في سذاجتها ويسرها جمالا ليس أقل روعة ولا نفاذا إلى القلوب من هذا الجمال الذي يجدونه في الحياة الحديثة المعقدة، فأنا سعيد موفق إلى بعض ما أريد.

وإذا استطاع هذا الكتاب أن يدفع الشباب إلى استغلال الحياة العربية الأولى واتخاذها موضوعا قيما خصبا، لا للإنتاج العلمي في التاريخ والأدب الوصفي وحدهما بل للإنتاج في الأدب الإنشائي الخالص. فأنا سعيد موفق إلى بعض ما أريد.

ثم إذا استطاع هذا الكتاب أن يلقي في نفوس الشباب أن القديم لا ينبغي أن يهجر لأنه قديم، وأن الجديد لا ينبغي أن يطلب لأنه جديد، وإنما يهجر القديم إذا بَرِيء من النفع وخلا من الفائدة، فان كان نافعا ومفيداً فليس الناس أقل حاجة إليه منهم إلى الجديد فأنا سعيد موفق إلى بعض ما أريد.

وأنا أعلم أن قوما سيضيقون بهذا الكتاب لأنهم محدثون يكبرون العقل، ولا يثقون إلا به، ولا يطمئنون إلا إليه، وهم لذلك يضيقون بكثير من الأخبار والأحاديث التي لا يسيغها العقل ولا يرضاها، وهم يشكون ويلحون في الشكوى حين يرون كلف الشعب بهذه الأخبار، وجده في طلبها وحرصه على قراءتها والاستماع لها، وهم يجاهدون في صرف الشعب عن هذه الأخبار والأحاديث واستنقاذه من سلطانها الخطر المفسد للعقول، هؤلاء سيضيقون بهذا الكتاب بعض الشيء لأنهم سيقرؤون فيه طائفة من هذه الأخبار والأحاديث التي نصبوا أنفسهم لحربها ومحوها من نفوس الناس، وأحب أن يعلم هؤلاء أن العقل ليس كل شيء، وأن للناس ملكات أخرى ليست أقل حاجة إلى الغذاء والرضى من العقل، وأن هذه الأخبار والأحاديث إذا لم يطمئن إليها العقل ولم يرضها المنطق ولم تسعها أساليب التفكير العلمي، فان في قلوب الناس وشعورهم وعواطفهم وخيالهم وميلهم إلى السذاجة واستراحتهم إليها من جهد الحياة وعنائها ما يحبب إليهم هذه الأخبار، ويرغبهم فيها ويدفعهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>