للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأقطار العربية

هذا، وقد لاحظت أن بعض الشبان، في مختلف البلاد العربية، يخلطون بين قضية السياسة الخارجية وأمر النظم الداخلية خلطاً غريباً. فكثيراً ما يتساءلون خلال مناقشة مثل هذه المسائل: أية دولة أكثر مطامح في البلاد العربية؟ هل لروسيا مطامح استعمارية في البلاد العربية؟ ألم يكن خطر الاستعمار الإيطالي أكبر من سائر الأخطار؟

إنني أعتقد أن وقوف هذا الموقف تجاه المسائل الداخلية والاجتماعية لا يتفق مع منطق السياسة والاجتماع، لأن علائق الدول الخارجية لا تتأسس على أشكال نظمها الداخلية. فالدول تتفق أو تتخاصم حسب منافعها، دون أن تنظر إلى مشابهة أشكال إدارتها أو مخالفتها. فقد رأينا - مثلاً - خلال الحرب العالمية أن فرنسا اتفقت مع إنكلترا وروسيا، مع أنها كانت جمهورية، في حين أن إنكلترا كانت ملكية دستورية وروسيا القيصرية كانت من الحكومات الاستبدادية. وقد انضم إلى هذه الدول الثلاث، خلال الحرب العالمية، عشرات من الدول الأخرى على اختلاف نزعاتها في السياسة الداخلية

فيجب علينا أن نعتقد كل الاعتقاد بأن اعتناق أي مذهب اجتماعي لا يخلصنا من الأخطار المحدقة بنا، كما أن عدم اعتناق أي مذهب من المذاهب الاجتماعية لا يعرضنا إلى أخطار خارجية غير الأخطار التي تحيط بنا. . .

فعندما ننعم النظر في أمر صلاح أو عدم صلاح النظام الشيوعي لبلادنا لا يجوز لنا أن نبني أحكامنا على سياسة إيطاليا أو روسيا في الأمور الدولية بوجه عام، أو في أمور البلاد العربية بوجه خاص. . . بل يجب أن نفكر في صلاح أو عدم صلاح هذا النظام بالنظر إلى أحوالنا الداخلية فقط. . .

وربما كان وضع الدولة التركية تجاه هذه المسألة من أحسن الأمثلة وأقطع الأدلة في هذا الباب

تعلمون أن تركية مدينة بشيء كثير من حياتها الآن إلى أوضاع روسيا السوفيتية. . . لأن الدولة الروسية كانت عدوة تركيا التاريخية حتى نهاية الحرب العالمية. . . غير أنها بعد أن تبلشفت تركت عداءها القديم، بل بعكس ذلك أخذت تسند الدولة التركية ضد الدول الأوربية، وصارت تساعدها بكل الوسائط الممكنة، وفعلاً أمدتها بالأموال والأسلحة والعتاد

<<  <  ج:
ص:  >  >>