للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

- ماذا تعني يا صاح؟ كيف أكلوها فيما بينهم؟

فقال:

- ما أيسر هذا أيها الأخ! لقد فتحوا الاكتتاب، وأعلنوا أسماء المتبرعين في الصحف. . . ثم. . . لا ضريح ولا نصب، لأنهم أكلوا النقود فيما بينهم. . . وكان الله حسبهم. . .! وأنا بالطبع لا أقول هذا استنكاراً لصنيعهم، ولكن لتعلم ما صنعوا. . . نُخبكم أيها السادة، ونُخب الراقد هنا - موسخين - المسكين! في سبيل ذكراه الخالدة هذه الكأس!)

واحتسى كأس البودكا، والتهم حوية من حواياه، ثم قال:

- يقول الغربيون (في صحتكم) حين نقول نحن (نخبكم). . فيا لله! أي صحة في ابنة الكرم، وأي عافية في أن يصبح الفتى مجنوناً بها، عاكفاً عليها، مخبولاً مدمناً؟. . . هذا. . . وأي ذكرى خالدة نرجوها لهذا الفتى؟! إن الذكرى الخالدة معناها الألم الخالد. . . وخير من ذاك أن نبتهل إلى الله ليجعلها ذكرى. . . مؤقتة، وهما في مذهبي سيان!

- إن هذا حق لا ريب فيه! فقد عاش موسخين رجلاً ذائع الصيت طائر الذكر، ولما مات حملوا عشرين إكليلاً من أنضر الأزهار حول نعشه. . . وما كاد يوسَّد في الثرى حتى نسيه الجميع!

- ومن نسيه؟! لقد كان محبوه، والمعجبون به، في المقدمة!! ومن ظل إلى اليوم يردد ذكراه؟! أعداؤه يا سادة! أعداؤه الذين عاش طوال عمره يشنّ عليهم حربه الضروس الشعواء!!

- فأنا مثلاً. . . لن أنساه ما حييت! أبدا، أبداً. . . فأنا لم ينلني منه غير الأذى، لقد كان مولعاً بإلحاق الأضرار بي! فأنا لا أحبه، بل، أمقته!

فقلت له: وكيف كان إيذاؤه لك يا صاح؟

فتأوه من أعماقه، وانتشرت سحابة من الهم فوق وجهه الكاسف، ثم قال: (أبلغ الإيذاء أيها الصديق! لقد كان لصاً خبيثاً محتالاً، فلا عفا الله عنه!! أتصدق أنني لم أصبح ممثلاً إلا بفضل إصغائي إليه وشغفي به، وإنعام النظر إليه؟ لقد خلبني بفنه، وسحرني بلفتاته، ونفث في صدري روح الكبر والغرور والخيلاء، فنزحت عن الديار بسببه، واحتملت بلاء الغربة في سبيل ما وعدني من الغنى الضخم، والثراء الواسع. . . ولكن. . . وا حسرتاه عليّ!!

<<  <  ج:
ص:  >  >>