للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

على جزء عظيم من تاريخ إيران، أشبه شيء بإلياذة هوميروس، وفيها من أخبار الملوك والأمراء وخدع الحروب وحيل السياسة ووصف الأقطار ومواقع البلدان وجمال التصور وفتنة الجبال والوديان ما جعل التصوير فيها أمراً محتما. وكذلك ما ورد في شعر السعدي من النوادر والقصص في بستان الورد. دع عنك رباعيات الخيام وما اقتضته من تصاوير تمثل الشاعر الفنان المحب للخمر المفتون بالجمال المسحور برشاقة التكوين الجسماني، وهو يطرق باب الحان ليوقظ رفاقه لمعاقرة أقداح الشراب قبل بزوغ ألوان الفجر، فلم يكن للمصور بد من الخضوع لذلك الإلهام الشعري الموسيقي القوي في سبيل الحب واندفاع النفس. وهذا هو الذي حدا بالمصورين إلى تصوير الإنسان في أوضاع مختلفة أهمها أوضاع الحرب والحب، ولا أجمل من تلك الصورة التي رسمت توضيحاً لقول الشاعر:

لم يخلق الرحمن أجمل منظرا ... من عاشقين على فراش واحد

لأن المصور قد أوتي من نقاوة الإلهام وطهارة الروح وسمو الخيال وتمجيد الجمال ما جعل صورته آية في العفة وجميل الظن مع اجتماع الحسن والشغف الظاهر في أعين العاشقين.

من أجل هذا كله وجب على القارئ كلما قلب بين يديه كتاباً إفرنجياً مصوراً أو مزيناً بالرسوم؛ أن يتذكر أن هذا الفن وهو توضيح النصوص بالتصاوير، إنما هو اقتباس من فن شرقي قبل كل شيء، وأن الذي فكر في تزيين دواوين الشعراء وكتب القصص والتاريخ بالصور كانوا من أهل الشرق كالهنود والفرس وبعض السوريين، في الوقت الذي لا ننكر فيه على بعض علماء اليونان أنهم وضحوا كتباً من تأليفهم برسوم تعين على فهم النصوص دون أن يكون لهذا أثر كبير في ابتكار المشارقة لفنون تحلية الكتب

وإننا لا نذكر أن هذا البحث لا يزال بكراً، لم تتجه إليه الأنظار ولم يطرقه باحث، كما أننا لا نذكر أنه كتلك الموضوعات التي سبق البحث فيها فلا تكلف كاتبها مجهوداً كبيراً، إنما نذكر أنه قد آن لنا أن نختط خطة أخرى في دراسة الآثار الإسلامية؛ فندرس الطريف الجديد

ولما كانت العلوم التطبيقية أول ما اتجه إليه نظرنا في هذا البحث، وكان أقدم الكتب المخطوطة في هذا الموضوع حسب ما عثرنا عليه، كتاب أبي زيد البلخي (نسبة إلى بلخ في جنوب أفغانستان) رأينا أن نبدأ بتعريف إحدى صوره وهي صورة العراق في زمانه،

<<  <  ج:
ص:  >  >>