للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[ليلى المريضة في العراق]

للدكتور زكي مبارك

- ١٤ -

نحن في اليوم الرابع من أيام المؤتمر الطبي العربي الذي بث الابتهاج والانشراح في أرجاء بغداد، وأنا امضي إلى مدرج كلية الطب لألقي محاضرتي عن المصطلحات الطبية فأجد اسمي فوق اللوحة آخر الأسماء؛ وأتلفت فأرى فتاة من قريبات ليلى جاءت لتسمع محاضرتي فأحقد على منظم المنهج، لأن هذه الفتاة قد تضجر فتنصرف قبل أن تسمع صوتي، فأنتهز أقرب فرصة وأدخل في مناقشة حامية مع الدكتور فؤاد غصن؛ وينهزم الدكتور فؤاد غصن، فتصفق تلك الفتاة. وما اسعد الخطيب الذي تصفق له فتاة بغدادية ساجية الطرف مصقولة الجبين!

رباه! متى يعقد المؤتمر الطبي مرة ثانية ولو في الصين؟!

ويقوم سعادة الأستاذ علي الجارم بك فيلقي محاضرته في صوت مطلول كأنداء الصباح

ثم يقوم فضيلة الشيخ السكندري فيلقي محاضرة نفيسة جدا تضج لها الأرض وتطرب السماء، ويصيح الدكتور القيسي: تحيا مصر! تحيا مصر!

واقبل عليه اشكره على التحية التي وجهها إلى مصر فيقول: كنت اضن الذكاء المصري خرافة أذاعها المصريون. واليوم رأيت وتحققت أن المصريين أذكياء وعلماء، وقد تبددت الصورة المشوهة التي ارتسمت في ذهني بسبب الجموح الذي شهدته فيمن عرفت من الطلبة المصريين في باريس

وأعتذر عن جموح شبابنا فأقول: لا تلم شبابنا على المرح والطرب، فنحن شعب طال عهده بالهموم والأرزاء فهو يروح عن نفسه بتكلف السرور والارتياح. أما سمعت قول شاعركم الزهاوي في مخاطبة أم كلثوم:

يا أم كلثوم إنّا أمةُ رزحتْ ... تحت المصائب أحقاباً فسلٌينا

ويجئ دوري في الخطابة فأعتلي المنبر في زهو وخيلاء. ثم يروعني أن أرى الناس ينصرفون، فأذكر أن الموعد حان للغداء في مضارب بني تميم، وأن المستمعين الكرام يفهمون جيداً أن الغرق في المرق أشهى وأطيب من بلاغة سحبان!

<<  <  ج:
ص:  >  >>