للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الوكيل وعلى الأطباء المصريين، وأزعم أن أساتذة الطب في مصر من أكسل الناس، ولولا ذلك لنقلوا علوم الطب إلى اللغة العربية. ويصفق الحاضرون، ويقبل الجارم لتهنئتي فأقول: أنا تلميذك. فيقول: لقد بذذت أساتذتك.

ويجئ المساء فأذهب إلى الحفلة التي تقيمها الجمعية الطبية المصرية فأراها وا أسفاه حفلة مصرية حقاً وصدقاً، فلا شراب ولا رقص ولا غناء، فأقول في نفسي فضحتمونا يا ناس!

ولكن الدكتور عبد الواحد الوكيل ينقذ الموقف فيلقي خطبة يقول فيها إن الجمعية الطبية المصرية عرفت أنها تعجز عن إقامة حفلة كالتي أقامها معالي أمين العاصمة، أو حفلة كالتي أقامها سعادة رئيس الجمعية الطبية العراقية، فقررت أن تقيم حفلة ترقص فيها الخطب ويغني فيها البيان

الله أكبر! الله أكبر!

وكذلك قضينا ثلاث ساعات في سماع الخطب والقصائد، ثلاث ساعات قضيتها في كرب، لولا الخطبة الظريفة التي ألقاها سعادة العشماوي بك، ولولا الوجه الأصبح الذي كنت أتعزى بالنظر إليه

ويجئ اليوم السادس وهو رحلة إلى السدة الهندية وأطلال بابل وأصل إلى القطار في آخر ثانية، فقد كنت في شواغل غرامية عاقتني عن مراعاة الموعد؛ ولكن حظي كان سعيداً، ولا أذكر كيف، فقد تتأذى بذلك بعض الوجوه الصباح. ويمر القطار على قرية اسمها الإسكندرية فأقول: لعل هذه هي البلدة التي ينسب إليها أبو الفتح الإسكندري الذي يروي عنه عيسى ابن هشام في مقامات بديع الزمان؛ وأملأ عيني من نخيلها وأكواخها لأكتب عنها كلمة في الطبعة الثانية من كتاب (النثر الفني)

ثم يقذفنا القطار إلى السدة الهندية، وليتنا غرقنا هناك! والسدة الهندية قنطرة ظريفة على الفرات؛ وللفرات فيها هدير جذاب يذكر بهدير النيل على الرياح المنوفي بالقناطر الخيرية. وقد وقفت على السدة الهندية لحظات ظفرت فيها بموعد سأنعم به يوم أعود إلى وطني، إن كان لي إلى ارض الوطن معاد

لا تحزن يا قلبي، فليست هذه أول غربة، فقد كنت غربياً في كل أرض حتى في سنتريس!

لا تحزن يا قلبي، فأقرب الناس إلى الله هم الغرباء، لأن الغريب يؤدي امتحاناً في كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>