للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وفي تلقنها، فإنا نرى أن إصلاح التعليم في مصر رهين بإصلاح أساليبنا في تعليم اللغة العربية وفي تغير وجهتنا فيما يختص بالأغراض التي نرمي إليها بل اللغة العربية متصلة وثيق الاتصال باللغات الأجنبية التي نعلمها اتصالها بتعليم المواد الأخرى. وإذا نحن نظرنا إلى تلك المواد نظرتنا إلى مجموعات متوافقة من الأفكار والمعاني استطعنا أن نرى كيف تحدد اللغة تفكيرنا، وكيف تواتينا المقدرة على تفهم تلك المواد إذا كانت اللغة مهارة مكسوبة أحسناها. فاللغة في مفرداتها وصيغها تكون وحدة عامة متصلة الحلقات مشتبكة الاطراف، وهي في نفسها نتيجة لنماء العقل ونشاط التفكير. وليست مفردات اللغة كما قدمنا إلا رموزاً للأفكار التي يلتف بعضها حول بعض في حياة الإنسان العقلية، والتي تتألف حولها كثير من شعاب الدواعي. وحين يدرج الناشئ في السنين الأولى من طفولته يكسب كثيراً من تلك الأفكار التي يحاول أن يعبر عنها، فما تزال حائرة تتردد في نفسه حتى تستقر في تلك الرموز التي تواضع عليها الناس، وتصبح بعد ذلك مادة للحديث والتفكير والكتابة، وتصبح سبيلا إلى تفهم التاريخ والجغرافية والطبيعة وغير ذلك

ولعل الطفل في حياته اللغوية يمثل الإنسان الأول في كسب اللغة واصطناع ألفاظها، فهو يتدرج في تعلمها من المحسوسات إلى المعقولات، وهو يحسن كل الإحسان أسماء المرئيات، لكنه يعاني غير قليل من الجهد في تفهم المعاني. وقد مر الإنسان الأول في مثل عصر الطفولة حينما كان العالم نفسه طفلاً، وحين دفعته الحاجة إلى أن يتعلم الأسماء كلها. وتعقدت اللغة في أطوار الإنسانية حتى انحدرت إلينا وهي على ما هي عليه من التعمق والإغراق؛ وحتى أصبحت دراستها تقتضي نصيباً كبيراً من الحس المرهف والتفطن الدقيق

فلغة الإنسان إذن وحدة في ذاتها تتألف من شتات من الجزيئات، ولغته الأصلية هي التي صاحبت تكوينه العقلي. منها يستمد أفكاره ومنها يكون صوره العقلية، بل هي التي توحي إليه ما توحيه الكلمات من حب وبغض وسرور وحزن. ففي ألفاظها كل المعاني التي تجيش بصدره، وفي أعطافها ما يحرك قلبه ويهز فؤاده

ولان اللغة وحدة في ذاتها تجد بين لغة الإنسان الأصيلة وبين لغته الدخيلة أو الأجنبية كثيراً من الوشائج والأسباب، فلا يستطيع متحدث أن يعالج الكلام عن الثانية إلا إذا بدأ

<<  <  ج:
ص:  >  >>