للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فإذا تم له اختيار الموضوع الذي يتهيأ لكتابته، تركه للفكر يعمل فيه عمله، وللواعية الباطنة أن تهيئ له مادته؛ ويدعه كذلك وقتاً ما، يطول أو يقصر، يقيد في أثنائه خواطره لا تكاد تفلت منه خاطرة؛ وهو في ذلك يستمد من كل شيء مادة وحي، فكأن في كل موجود يراه صوتاً يسمعه، وكأن في كل ما يسمعه لوناً يراه، وكأن في كل شيء شيئاً زائداً على حقيقته يملي عليه معنى أو رأياً أو فكرة. . .

فإذا اجتمع له من هذه الخواطر قدر كاف - والقدر الكافي لتجتمع له هذه الخواطر هو يومان أو ثلاثة - يأخذ في ترتيبها معنى إلى معنى، وجملة الىجملة، ورأياً إلى رأي. فهذه هي الخطوط الأولى من هيكل المقالة

ثم هو يعود بعد ذلك إلى هذه الخواطر المرتبة - بعد أن ينفي عنها من الفضول ما يدخره لـ (كلمة وكليمة) أو لموضوع آخر - فينظر فيها، ويزاوج بينها، ويكشف عما وراءها من معان جديدة وفكر جديد؛ ولا يزال هكذا: يزاوج ويستولد، ويستنتج من كل معنى معنى، ويتفطر له عن كل رأي رأي، حتى تستوي له المقالة فكرة تامة بعضها من بعض، فيكتبها

إلى هنا يكون قد انتهى عمل الذهن، وعمل النفس، ويبقى عمل الفن والصناعة لتخرج مقالة الرافعي إلى القراء في قالبها الأخير الذي يطالع به الأدباء. . . وبيني وبين القراء ميعاد. . .

(شبرا)

محمد سعيد العريان

<<  <  ج:
ص:  >  >>