للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[البحث عن غد]

للأستاذ عباس محمود العقاد

- ٣ -

كان مستر (روم لاندو) على صواب في اهتمامه بالناحية الروحية من حياة الشرق الأدنى في العصر الحاضر؛ وقد أحسن تعليل هذا الاهتمام حين قال في مقدمة كتابه: إن الشرق الأدنى هو الذي رسم للعالم الإنساني مجراه في طريق الحضارة والتهذيب. فلو خلت الدنيا من ثلاث (قارات) كاملة لما تغيرت ثقافتها الروحية إلا قليلاً، ولكنها لو خلت من أمم البقاع المحصورة بين البحر الأبيض والبحر الأحمر والخليج الفارسي، لكانت أديانها غير هذه الأديان، وآدابها غير هذه الآداب، وثقافتها غير هذه الثقافة، ومعاني الحياة والمثل العليا فيها غير ما نعلمه من معانيها ومثلها العليا في عصرنا الحديث

قال: (نعم حدث في القرن الخامس عشر بعد كشف أمريكا وإخراج العرب من الأندلس أن المحور قد تحول نحو الأقطار الغربية، ولكن الأمر لم يحتج إلى أكثر من ثلاثمائة سنة لاتجاه (الرقاص) إلى الشرق من جديد. وجاءت حملة نابليون المصرية وما وراءها من آماله في الهند وما نجم عنها من كشف الحضارة المصرية التي طال العهد بنسيانها فأنشأت عهداً جديداً له شأنه وخطره في بلاد الشرق الأدنى)

ونحن الشرقيين يحق لنا أن نغتبط بما لبلادنا من الشأن الحاضر أو المنظور في حياة العالم الروحية، ولكننا خلقاء ألا ننظر إلى الأمور بالعين التي ينظر بها الغربيون، فإنهم يبالغون ولا ريب في استضعاف شأن الحياة الروحية كما يرونها في أنحاء أوربا وأمريكا، لأنهم سئموها وعالجوا أكاذيبها ومواطن القصور منها، فكان استضعافهم إياها داعياً إلى التحول بالرجاء إلى غيرها، وكان من جراء ذلك هذا الإقبال على مسائل الشرق الأدنى ولاسيما المسائل الروحية. وقد وجد بينهم أناس تحولوا إلى الشرق الأقصى والهند خاصة لتعليل أنفسهم بشيء من الرجاء وشيء من الثقة واليقين فهي حيرة تهديهم تارة إلى هنا وتارة إلى هناك. ولا ينبغي لنا أن نجعل هذه الحيرة مقياسنا ومعيارنا في تقويم ما لنا من قيمة، وعرفان ما لنا من وزن وأمد. ونعتقد نحن خلافاً لما يعتقده بعض الأدباء الأوربيين أن البلاد الغربية ليست من النضوب الروحي بالحال التي يتخيلونها، وليست من الركون إلى

<<  <  ج:
ص:  >  >>