للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الأصيل الفاترة يستمعون القصص أو الوعظ. حتى إذا تضيَّفت الشمس جلسوا في الطريق أمام بيوتهم فمدوا الموائد على الأرض، ودعوا إليها عابري السبيل وطالبي الصدقة، ثم لا يلبث الأخاء المحض أن يجعل الموائد المتعددة مائدة واحدة، يصيب منها من يشاء ما يشاء!

أما ليلهم فاستماع للقرآن، واستقبال للإخوان، ومسامرة مشتركة ساذجة تجمع أفنانا شتى من شهي الحديث، وكلما انقضى نهار من رمضان تَغَضَّن سرار من وجوه القوم، حتى إذا لم يبق إلا الأربعة الأخيرة تمثلوه محتضرا يكابد غصص الموت، فندبوه في البيوت والمساجد، ورثوه على السطوح والمآذن، وبكوه يوم (الجمعة اليتيمة) أحرَّ بكاء.

فإذا كان المغرب الأخير ولم يبق من رمضان إلا بقية روح، خامرهم الخوف من انطلاق الشياطين السجينة، فجلس الصبيان على أبواب الغرف يكررون البسملة ويضربون حديدا بحديد، ليحفظوا البيت من دخول شيطان مَريد!

ذلك رمضان كما تدركه الفِطر السليمة والقلوب المؤمنة، وهو وحده الباقي لفلاحنا من غفلات العيش ولحظات السعادة! ولكن وا أسفاه! لقد أفسدت الأزمنة رمضان القرية، كما أفسدت المدنية رمضان المدينة!

احمد حسن الزيات

<<  <  ج:
ص:  >  >>