للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

مقدرتهم أن يخلقوا التاريخ ويبتكروا المستقبل ابتكاراً من غير أن يتقدم ذلك الابتكار أية مقدمات تسوق إليه، على العكس من كل تناسب في نظام التطور الاجتماعي، وعلى الضد من المنطق المدرك من نظام الطبيعة

أما إذا أردنا أن نثبت هذا المذهب فينبغي لنا أن نحلل مثلاً أو مثلين مما ذكرنا. أما مثل (إقليو فطرا) والقائد الروماني، فأن حوادث التاريخ ذاتها تدل على أن الحنق كان قد ملأ قلب أوكتافيانوس تلقاء ملكة مصر وزوجها أنطونيوس حتى ليتعذر معه أن يجد جمال إقليو فطرا أو فتنتها طريقاً إلى قلبه

كان أنطونيوس وأوكتافيانوس صديقين اقتسما القوة والبطش في رومية، وقضى أنطونيوس على قتلة قيصر في سلسلة من المواقع المشهورة، ثم نزا الشيطان بينهما ففرقت بينهما المكائد والدسائس، ثم تصافيا وتزوج أنطونيوس من شقيقة أوكتافيانوس توثيقاً لصداقتهما، ثم سافر إلى الشرق فالتقى بالملكة المصرية وتزوج منها وهجر رومية ومن فيها، ثم استبان الرومان أن ملكة مصر تحاول من طريق عشيقها الروماني أن تذل رومية وأن تصبح ملكة الدنيا، فقام الصراع بين مصر ورومية وانتهى بمصرع العاشقين. فهل هذه مقدمات يمكن أن تؤدي إلى غير ما حكم به منطق الواقع؟ وهل كان من المستطاع أن يغير أنف الملكة المصرية من مجرى هذا التاريخ شيئاً، قصر أم طال؟

وكذلك الحال في نابليون. فإن الثورة الفرنسية وما طل فيها من الدماء وما أحدثت من تخريب وما ذاع فيها من الخيالات وشاع من الأوهام، وتفكك بلاد ألمانيا وضغط إيطاليا وانحلال أسبانيا، وتيقظ الروح الحربي في فرنسا لما أن هاجمها أعداؤها ومرجل الثورة يغلي في بطنها؛ جماع هذا كان من شأنه أن يبعث (نابليوناً) لو لم يكن بونابرت لكان غيره، ولأحدث من الأحداث ما كان من الطبيعي أن يؤدي إلى نفس النتائج التاريخية التي أدت إليها أعمال نابليون هذا بالذات

وإن شئت فقل إن هذا كان شأن الاسكندر الأكبر. فأن الصراع بين بلاد فارس وبلاد الإغريق في آسيا الصغرى وفي إغريقية الأوربية بالذات من طريق البحر كان صراعاً مأثوراً بين الأمتين قبل عصر الاسكندر. وكذلك كانت السياسة التي اتبعها الملك فيلبس والده، فقد كانت سياسة حربية رمى بها إلى توحيد كل العالم الهليني تحت لواء مقدونيا،

<<  <  ج:
ص:  >  >>