للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحكمة كان على الدوام في أيدي أساتذة الجامعات

ونظرة أخرى. فأنه لا شك مثلاً في أن إسرافاً كبيراً يحل بالجهود العقلية، وانحرافاً عظيماً يعتور البحوث الفلسفية إذا لم يهيمن على أمثال هذه الأشياء النظام المدرسي والروح الأقاديمي. ولكن في التحرر من هذا النظام وذلك الروح لقيماً أخرى لها من الشأن ما يعوض على الآداب ما تفقد بالتحرر من الروح الأقاديمي الصرف. فأن الباحث الذي يتعلم بنفسه ويشعر بكرامة العصامية العلمية التي يحوزها بجهده الذاتي لهو بذاته من تدعوه (المفكر المستقل) المتحرر من آثار تلك الظاهرة التي تدعى الائتمارية، ومعناها الأقرب الاتفاق بين فئات من المفكرين على الترويج لمذهب بعينه أو فكرة بذاتها أو نزعة ما. فأن المفكر المستقل، وتلك أولى مميزاته، إنما يكب على درس مشكلات الفكر والحياة، لا لأن من الواجب عليه أن يقول شيئاً فيها، كما يحتم النظام على أصحاب الوظائف، بل لأن تأملاته أدت به إلى إدراك معضلات حقيقية، فهو يعمل على حل مغلقها وفك طلسماتها.

وفي الفلسفة الألمانية ظاهرة أخرى. فقد تقيدت تلك الفلسفة خلال عدة قرون متتالية بتقاليد خاصة وانتزعت اصطلاحات بعينها واستعمالات بذاتها، تنزل من الفكر منزلة تسمو على عقول الأوساط من المتعلمين، وتقيد عقول الخاصة بنظام يجعل الخروج على مقرراتها من أصعب الأشياء. وعلى الجملة تمتاز الفلسفة الألمانية بأحكام الفكرة وأسلوب التفكير، مشفوعة بقوة ممتازة في التحليل المنطقي ولكن هذه المميزات لها ما ينتقصها. فقد قيل، وقيل بحق، إن الفلسفة في ألمانيا يكتبها الأساتذة، إما لأساتذة، وإما لفئة يحاول أفرادها أن يصبحوا أساتذة. وكاتب الفلسفة الألماني من أجل أن ينال الحظوة عند الخبراء بالفلسفة أمثاله، يبتعد عن الاتصال بجمهور القراء، فلا يكون لما يكتب أثراً في الحياة العامة ولا في تكييف الذوق العام للأمة

هنالك مظهر آخر. فإن الفلسفة الألمانية لشدة ارتباطها بالنظام القائم في بيئتها، التصقت أيما التصاق باللاهوت، وتلونت في غالب الأمر باللون الذي يوائم ذوق الدولاب الحكومي. لقد اتخذت الفلسفة الألمانية وسيلة لصب النشء في قوالب خاصة ترضاها الحكومة. لهذا اتصفت تلك الفلسفة بشيء من الجمود ولبست ثوباً حكومياً شل اتجاهاتها الطبيعة، على الرغم من أنها كانت الأثر الفعال ترقية الأهلية الحكومية فجعلتها تتجه نحو المثل العليا

<<  <  ج:
ص:  >  >>