للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ملتمسه الصغير. ولما أن قررت لجنة خاصة عينتها السلطات الكنسية بأنه أصبح أعمى لا يبصر، وأنه ذهب ضحية المرض والحزن، منح بعض الحرية، ولكن بحدود جعلت تلك الحرية استعباداً

ولقد أجبر على أن يواجه هجمات أعدائه على ذاته وعلى نظريته هجمات الازدراء والسخرية والتضليل، من غير أن ينبس ببنت شفة أو يحرك بالرد لساناً. ورأى الذين محضوه الصداقة والحب والاحترام، ينزل بهم العقاب الصارم والظلم الفادح. فنفي (كاستللي). ورأى (ريكاردي) رئيس البلاط المقدس و (شيامبولي) سكرتير البابا يبعدهما (إريان الثامن) عن وظيفتيهما محقرين، ورأى عضو محكمة التفتيش في (فلورنسا) يوبخ أقذع توبيخ لأنه أمر بطبع كتابه. وعاش ليرى الحقائق التي استكشفها تكتسح من الكليات الكنسية ومن كل جامعات أوربا، بل ليرى عضو محكمة التفتيش يأمر بأن يستبدل كل نعت طيب يردد به ذكره في أي كتاب يراد طبعه، بأخبث النعوت وأحط الذكريات

ومات غليليو. فطلب إلى رجال الكنيسة أن يدفن في مقابر أسرته في (سانتا كروتشي) فأبوا. وأراد أصدقاؤه أن يقيموا فوق قبره أثراً تذكارياً فلم يسمح لهم. وقال البابا (إريان الثامن) (لنيكوليني) وهو السفير الذي كلف بأن يعرض بعض المطالب الخاصة بغليليو الميت عليه ما يأتي:

(إنه لأسوأ مثل يعطى للناس أن نسمح بتكريم رجل وقف من قبل أمام محكمة التفتيش الرومانية لأنه روج فكرة مثل فكرته المملوءة بالخطأ والكفران. ولم يقصرها على نفسه بل أقنع بها غيره، فأحدث بذلك أعظم فضيحة عانت أمرها النصرانية)

ونفذت إرادة البابا ورجال محكمة التفتيش، فدفن غليليو من غير تكريم بعيداً عن أسرته، ومن غير تأدية أي واجب ديني ومن غير أن يقام على قبره نصب أو تاريخ يشير إلى العظمة المخبوءة في ذلك الرمس الذي ضم رفاته

ومضى على ذلك أربعون عاماً جرؤ بعدها (بيروزي) أن ينقش على قبره تاريخاً يشير إلى حيث دفنت تلك العظام النبيلة. وبعد مائة سنة استطاع (نيللي) أن ينقل رفاته إلى مسقط رأسه ليضعها في مكان لائق بها، وأقام عليها نصباً. وكانت النار ما تزال مستعرة والعداء مستحكما، فقد طلب إلى رجال محكمة التفتيش أن يحولوا دون هذا التكريم (لرجل اتهم

<<  <  ج:
ص:  >  >>