للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الكائنات غير الحساسة - مع إيماني بأنها زودت بسر إلهي - تتركني أمامها شاعراً بالجهل العميق، سابحاً في فروضي العميقة. إني أقف حائراً أمام هذه القطعان الغفيرة من الحيوانات، فكلها ذات قدرة على الحركة والانتقال، وفيها من الاحساسات ما أجد مثله في نفسي، ولها انفعالات تمتد إلى حيث تكون الأفكار والذكريات. ومع هذا فانهم بأنفسهم أجهل مني بنفسي. فلأي شيء وجدوا؟ وإلى أي شيء سوف ينقلبون؟ لقد أظن أن السيارات وتلك الشموس العظيمة التي تملأ رحاب الفضاء يأهل بها مخلوقات مفكرة واعية، ولكن دونها حاجز أبدي يفصلني عنها، فأن واحداً من سكان تلك الكرات العظام، لم يستطع الاتصال بعالمنا

قال رئيس الدير، متجلياً في الطبيعة، للفارس: إن النجوم قد صنعت من أجل الأرض، وإن الأرض والحيوانات صنعت من أجل الإنسان. ولكن هذه الكرة الأرضية الصغيرة إذ تدور مع بقية السيارات من حول الشمس؛ وإن هذه الحركة المنتظمة المنتسقة التي تسيرها الأجرام السماوية إذ ربما تستمر ولو لم يكن ناس؛ وإذ كان في سيارنا الصغير من الحيوانات عدد اعظم من عدد أبناء آدم؛ فقد أتصور أن رئيس الدير قد شمله حب الذات وعمه الغرام بالنفس، فخيل إليه أن كل شيء قد صنع من أجله. وإني لأرى أن الإنسان عرضة لأن يلتهمه أي حيوان إذا لم يتقها بالسلاح، وإن كل الحيوانات تأكله بعد أن يموت. من أجل هذا داخلني الشك في أن رئيس الدير والفارس هما سيدا الطبيعة. وباعتباري كائناً هو يحكم وجوده عبد لكل شيء يحيط به، لا سيداً آمراً مطاعاً؛ كائنا مكبلاً حيث ذهب وكان؛ كائناً تحيط به اللانهايات، أبدأ بحثي عن طبيعة نفسي.

٢ - ضعفنا

إني حيوان ضعيف؛ ولدت بلا قوة وبلا معرفة وبلا غريزة. كنت عديم القدرة حتى على الزحف إلى ثدي أمي، على الضد من كل ذوات الأربع. استوعبت قليلاً من الفكرات، وحزت قليلاً من القوة عندما أخذت أعضائي تبرز وتتكون. ومضت القوة تزيد في، حتى إذا بلغت حداً اكتملت فيه، أخذت من ثم في التناقص. وتلك القوة التي مكنتني من إدراك الفكرات أخذت بدورها تزيد وتستفحل حتى بلغت حدها الأقصى، ثم أخذت تتخاذل بعد ذلك، حتى لأشعر بأنها تفني شيئاً فشيئاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>