للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أن أجد درجات المنارة مهتمة، وأن أعرف أن الصعود فوق الدرجات أمر صعب، ولو أنني حاولت ذلك وأنا في سن أصغر أبنائي لكان الخطب سهلاً، ولكنني اليوم عالم علامة، والعلماء العلامون يصعب عليهم السير في الطريق فكيف يصعدون المنارة الحدباء؟!

وبعد أن صعدت نحو سبعين درجة شعرت بالتعب، فقلت: أنزل!

وهل يعيبني أن أعجز عن صعود منارة عجز عن صعودها الدكتور عزام؟

وشجعني على النزول أن الدكتور عزام صديق عزيز والتعالي عليه ينافي الذوق، وهو بالتأكيد سينشرح صدره حين يعرف أنني عجزت عن صعود المنارة والضعفاء يعطف بعضهم على بعض!

وبعد أن نزلت درجتين مر بالبال خاطر مزعج: وهو أن ليلى قد تسمع بهذه القصة فتعرف أن طبيبها أصبح من الأشياخ

وكذلك انطلقت لصعود المنارة بعزائم الشياطين.

وقفت فوق المنارة ونظرت إلى الأرض فعرفت خطر ما أُصيبت به من احديداب فالذي ينظر إلى الأرض من فوق تلك المنارة يتوهم أنها ستسقط به، ولكن هذا الوهم لا يجوز على رجل مثلي!

ذلك كان من أمر الصعود، ولكن كيف النزول؟

إن النزول بدا لي أمراً خطيراً جدا ومن كان في ريب من ذلك فليجرب، وقد خشيت أن تزل قدمي فأسقط، لأن درج تلك المنارة أصبح خيالا في خيال

واقترح السيد محسن جومرد أن أضع يدي على كتفه فرفضت لأن الاعتماد على الغير عند الشدائد هو بداية الانخذال.

نزلت من المغارة بلا مساعد ولا معين، فصح أن عافيتي لا تزال باقية، وتطلعت إلى الهيام بأرجاء الموصل لأرى ما فيها من بقايا السحر والفتون، ولأبحث عن الشفيعات إلى ليلاي.

وبدأت فزرت قبر أبي تمام، وكنت كتبت كلمة عن إصلاح قبره في جريدة الأفكار منذ ثمانية عشر عاماً، وكان من رأي أن تأليف كتاب جيد عن شاعرية أبي تمام أفضل من العناية بإصلاح قبره، فمتى أشرع في تأليف هذا الكتاب؟

كنت مبلبل الخواطر فلم أقرأ الفاتحة على قبر أبي تمام، وإنما قرأت على قبر أبي تمام قول

<<  <  ج:
ص:  >  >>