للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الذي أطلت فيه الشعوبية تزعم ما تزعم من جحود ونكران للواقع، وكأن هذا الميل القوي للإسلام لم يرق في نظر البعض فذهب إلى أن مرجع اعتناق الفرس للإسلام أنهم أَلْفَوا في القرآن الأركان الأساسية لديانتهم القديمة وإن اختلفت قليلاً، فلم يكن من العسير على الفارسي أن يقبل على عبادة اهرمزدا واهريمان إلهي الخير والشر حيث استترا وراء كلمتي الله وإبليس في الديانة الجديدة، كما يقول إن الإسلام اتفق والوثنية الفارسية القديمة في القول بخلق الإنسان ووجود الملائكة والبعث يوم القيامة وعودة الروح والجسم ثانية وفي فكرة الجحيم والجنة، فالتقت العقيدة القديمة والدين الجديد في هذه النواحي. وغرض دوزي من ذلك الطعن في إسلام الجماعة الأولى من أهل فارس، وتجاهل هذه الروح الكريمة التي امتاز الإسلام والتي لا زال يغزو بها القلوب حتى في عصر المادة فلا كبرياء ولا أرستقراطية مستهجنة)

لم يقصر فضل الإسلام على الناحية السياسية وانتشال البلاد من التدهور الاجتماعي، بل تعداها إلى الناحية الدينية بين القوم وغيرهم من أهل الكتاب من النصارى واليهود، فعامل الجميع معاملة حببت الجماعة فيه، ولم يرغمهم على التصديق به والإيمان برسالته وإنما حاجَّهم فإن أبوا فليس إلا الجزية، إذ (هي واجبة على جميع أهل الذمة من اليهود والنصارى والمجوس والصابئين والسامرة)

ولم تكن هذه الجزية دينية بحتة، وإنما كانت كذلك للقيام بالمحافظة على دافعيها وضمان سلامتهم، في ظل هذا النظام الجديد الذي لم يألفوه من قبل أيام دولة الأكاسرة التي استبدت وبطشت بالمسيحيين وعصفت بهم ولم تحترم شعورهم، بل كانت شديدة الوطأة عليهم فلاقى من عنتها اليعقوبيون والنسطوريون ألواناً من العذاب والتنكيل واضطربت أمورهم في أيامها. أما المجوس فقد اكتفى العرب منهم بالجزية، فلقد قال أبو يوسف إنه (ذكر لعمر بن الخطاب رضى الله عنه قوم يعبدون النار ليسوا يهودا ولا نصارى ولا أهل كتاب (يعني المجوس) فقال عمر ما أدري ما أصنع بهؤلاء؟ فقام عبد الرحمن بن عوف فقال أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) وذكر أنه (كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المنذر بن ساوي أن من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم، له ذمة الله وذمة رسوله فمن أحب ذلك من المجوس فهو

<<  <  ج:
ص:  >  >>