للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

آمن ومن أبى فعليه الجزية)

يقول الأمير كايتاني (لقد كان الاضطراب المعنوي الذي ملأ أذهان المسيحيين يسير جنباً إلى جنب مع الفوضى السياسية في الدولة، وإذ شغلهم توالي نزول هذه الكوارث والتدهور الخلقي الذي حاق بهم من جراء هذا الصراع العنيف بين المذاهب المتنافرة الموجودة بينهم فلقد مالوا إلى هذا النمط الذهبي العجيب الذي يسهل على العقيدة الجديدة أن تتمكن فيه. ولقد كان أهل فارس - وخاصة الأجناس السامية - في نفس هذه الحال الذهنية مما جعلهم يرحَّبون بالثورة الإسلامية التي سرعان ما أزالت من طريقها فساد الماضي، وساعدها على ذلك ما امتازت به العقيدة الجديدة من بساطة خالصة، هيأت النفوس لعهد جديد فائض بالآمال وخلصت القوم من الرق). . . لقد شهد بذلك كيتاني وهو من هو في دراسته للتاريخ الإسلامي والعقلية الإسلامية

وكان دخول الإسلام بلاد فارس مؤذناً بعصر جديد من التحررالفكري، كما رأى فيه المسيحيون مخلصاً لهم - كما يقول أرنولد - من استبداد ملوك آل ساسان، ولم يركن المسلمون إلى الشدة والعنف في سبيل بث مبادئ دينهم هناك، وما كان إسلام القوم - من مجوس وصابئة ومانوية - عن طريق السيف إذ (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي) وما كان الإسلام وهو دين العقل ليحاول أن يخرج عما رسمه من حدود النقاش. وحسبه أن يعرض للأمر من جميع نواحيه فلا يزال يدعمه بالحجة والبرهان الصادقين في منطق مستقيم حتى يأخذ به من اتبع العقل ولم يُكابر في الحق. وإذا كانت هناك بعثات تبشيرية فإنها لم تكن تسير على خطة دبرها البعض، وإنما هيأتها الظروف والملابسات وطبيعة الحياة كما كانت مدفوعة بإيمانها الصادق. وكان أغلب هذه الجماعات التي قامت بالتبشير في فارس والهند وبلاد آسيا الوسطى وبلاد ما وراء النهر من التجار الذين كانوا حلقة اتصال بين الوثنيين وبين الإسلام أو بين ماض مشترك ومستقبل لا يقر إلا بالوحدانية (قل هو الله أحد الله الصمد) ترفع عن الماديات (لم يلد ولم يولد) وجلَّ عن كل ما يخاله الذهن البشري القاصر عن إدراك ذاته (ولم يكن له كفواً أحد)؛ فالعامل الأساسي في تاريخ الفتوح الإسلامية كما يقول الأستاذ جب إنما هو هذا التبادل الدائم بين أهلي الأقطار المفتوحة وبين العرب

<<  <  ج:
ص:  >  >>