للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

فيها

عد عن هذا وسلم له استطاعته النقد حين قرأ حديث حب الرافعي، بصرف النظر عن مبدأ هذه الاستطاعة؛ وانظر في النتيجة التي رتبها عليها. لقد عدل حكمه قليلاً. لماذا هذا التعديل القليل أو الكثير؟ وما علاقته باستطاعة صاحبه النقد والتعليل والتحليل؟ إنه لم يقرأ للرافعي شيئاً جديدا ينقده، ولم يرجع إلى ما قرأ قديما فيعيد قرأته ليحلله أثره في نفسه. إن المقروء القديم هو: حديث القمر وأكره نفسه عليه. ولو كان قرأه ثانيا من جديد ما كان صداه ذلك الصدى الغامض الذي يدل على الجملة ولا يمد بالتفصيل. إذن فماذا نقد وماذا حلل ولماذا عدَّل؟ هل نستطيع لهذا جوابا؟ هل يستطيع هو لهذا جوابا لا مراوغة فيه ولا (لعب على حبل)؟ إن أحاديث العريان عن حب الرافعي يجب أن تؤخذ كلها أو تترك كلها لأنها من قبيل الأخبار. فان أخذت كلها لزم الكاتب الناقد إثبات (الإنسانية) و (القلب) للرافعي من غير قيد ولا شرط. وإن تركت كلها لزمه الوقوف عند رأيه الأول من غير تعديل كثير أو قليل. فلماذا إذن ذلك التعديل القليل وما علاقته باستطاعة صاحب المقلات النقد والتعليل والتحليل؟ أم هي كلمات ترص ليس تحتها معنى مقصود محدود؟ أم هي العاطفة تسير صاحبها في حكمه وإن قام على خطئها الدليل؟

على أننا سنغض الطرف عن هذا كله ونفرض أن استطاعته النقد مكنته بطريقة ما من تعديل الحكم تعديلا قليلا. فهل تراه عدله تعديلا ما! لقد كان يزعم قبل أن يعرف للرافعي حبا أن الرافعي خواء من (النفس) والآن وقد عرف للرافعي حبا كثيرا أصبح لا يجد عند الرافعي (الأدب النفسي) بعد إن كان لا يجد عنده (الأدب الفني)! أتجد فرقا بين خلو الرافعي من (النفس) وخلو أدبه من (الأدب النفسي) الذي لا يصدر إلا عن (نفس) على حد تعبيره؟ ما نرى صاحبنا إلا وقد سلب الرافعي باليمين ذلك القليل الذي أعطاه بالشمال، وقد صرح بهذا السلب في صدر مقاله الثالث وإن زعم في مقاله الأول أنه اغتبط لما حدثه به العريان من حديث حب عدَّل حكمه من أجله بعض التعديل.

بقيت واقعة صغرى ليست بذات بال في نفسها وإن كان لها دلالتها النفسية على تعبير صاحب تلك المقالات. إنه حين أحس بالغضاضة في التراجع عن حكمه الأول بين الرافعي والعقاد إلى حكمه الأخير الذي بناه على رسائل الأحزان، أراد أن يمهد لذلك التراجع لدى

<<  <  ج:
ص:  >  >>