للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميعاً من صاغة التماثيل الملهمين؟

مثل هذه النفحات - فيما أحسب - أغلى وأرفع من أن تكال جزافاً للملايين في المغارب والمشارق، وبين الأذكياء والأغبياء، وعند من يحسون ولا يحسون

إنما هي (الطيارة) جزاها الله خيراً بما هذبت من أذواق وأصلحت من أخلاق

إنما هي (الطيارة) قد أتمت مذهب السرعة في كل شيء، والسرعة والخفة لا تفترقان، والخفة والسمنة لا تتفقان

فالرجل الذي يقفز من القاهرة إلى الإسكندرية في ساعة واحدة لا يلتفت بعد ذلك إلى امرأة تزن القناطير المقنطرة من الشحم واللحم، ليعجب منها في مشيتها بجمل المحمل والتختروان

والرجل الذي يصعد إلى السماء لا يصبر على حمل الجبال، فالملائكة وحدها هي التي تحسن الصعود إلى تلك الآفاق

وهكذا تعلمنا الآلات أحياناً كيف نشعر وكيف نتذوق الجمال وكيف نصحح الأذواق

على شاطئ الإسكندرية - والمصادفة من أجمل المصادفات - طيارة في الهواء، وفتاة على الأرض هي أولى بالطيران من تلك الحديدة الصاعدة؛ بل هي تطير ولا يتخيلها الناظر إلا طائرة تفلت من لحظات العيون وخطرات الأرواح

لا تحس العين أنها أدركتها، لأنها إذا أدركتها تأملت فيها وسرحت في معانيها، فإذا هي بعيد بعيد، أبعد من الفراش الذي يقع عليه الطفل فإذا هو على الغصن، ويثب إليه في غصنه فإذا هو في الهواء

تلك هي القنطار الثمين!

لأنها لا تزيد في الوزن على قنطار، ولم يخلق في الدنيا قنطار أثمن وأولى بالاقتناء منها، أيا كان معدنه ومبناه

جمالها يزيدك عجباً من دقتها، ودقتها تغريك بوزنها وتقويمها. فأما الوزن فهو ما علمت؛ وأما التقويم فهو ما لا تعلم وما لا يدخل في حساب، لأن هزة من الشعور قد تسومها بكنوز الأرضين والبحار، وهزة من الشعور قد تبذلها رخيصة لمن تهواه

قل إنها تساوى وزنها من ذهب

<<  <  ج:
ص:  >  >>