للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بينه وبينهم كلفة ولا يتخذ من دونهم حجابا، يحييهم فيدعوهم بأسمائهم ويردون فيدعونه بأحب أسمائه إليه، فمنهم من يناديه أيب الأمين ومنهم من يناديه أيب العجوز ومنهم من يقولها مجردة من النعوت

وتبدو (أيب العجوز) يومئذ أقرب النعوت منه وأعلقها به، فإن على محياه لكآبة هي من أثر ما يهجس في نفسه، وأنه اليوم لكثير التأمل والإطراق لا يسمع الناس من أقاصيصه ما كانوا قبل يسمعون، ولا يشهدون من عذوبة روحه ما كانوا يشهدون

أما امرأته فمرحة طروب، لا تملك نفسها من الزهو حينما تقف إلى جانب بعلها في شرفة الدار وهما يطلان على الجماهير الهاتفة وإن كانت لتكره وتتبرم منه بهذا الوجوم وهذا الصمت، وإن كانت لتنكر عليه ما يظهر فيه من ملابس وخاصة قبعته التي ألحت عليه وما تفتأ تلح أن يستبدل بها أخرى جديدة فلا يطيع!

وحق له أن يبتئس وأن يرتاع فما تزال تترامى إليه الشائعات والأنباء المزعجات، فهذه صحيفة من صحف الجنوب تعلن نبأ اختياره للرياسة تحت عنوان أخبار خارجية، وهذا حاكم كارولينا الجنوبية يتناول المعول فيهدم أول حجر من بناء الاتحاد. . . لقد استقال أعضاء الشيوخ لهذه الولاية وانسحبوا من وشنجطون، بينما أخذ الحاكم يعد ما استطاع من معدات الحرب وصحفه تذيع في صراحة أن قد صار الاتحاد أثراً بعد عين؛ وهو يسعى بالتفرقة ويحرض الولايات الجنوبية على الانسحاب بعد أن أعلن على لسان المجلس التشريعي في ولايته أن لا صلة لهذه الولاية بالاتحاد

وما كان ارتياعه عن خور حين آذنت العاصفة بالهبوب؛ ولعمري ما يكون الخوف كل آونة جبناً ولا الدم كل يوم حلالاً. ثم لعمري ما يكون الإقدام في كل موقف شجاعة، ولا الوثوب في كل مأزق بطولة؛ وإلا فما أضيع الحكمة، وما أتفه البصيرة، وما أسخف الأنات. . . وما كان يخاف ابراهام إلا أن تصيب بلاده فتنة تذهب بكل شيء

وإنه ليدور بعينيه في هذه المحنة يبحث عن الرجال الذين يشدون أزره فيرى - والأسى يرمض فؤاده - أن رجال حزبه أنفسهم لا يرون رأيه فهم يميلون إلى مصالحة أهل الجنوب وعلى رأس القائلين بذلك سيوارد. . . ولكن ابراهام يعلن إليهم في ثبات عجيب أن مصالحة أهل الجنوب معناها التهاون في المبادئ والتسليم بانتشار العبيد والاعتراف

<<  <  ج:
ص:  >  >>