للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

اعتذر في الموقف الأول بأنه لم يكن حدد نوع الذهن حين قال إن الرافعي أديب الذهن، والواقع أنه كان حدده تحديداً واضحاً، وحدده بنفي بعض الأقسام التي قسم إليها الذهن عند اعتذاره ذلك. واعتذر في الموقف الثاني باضطراب وقع خطأ في ترتيب الجمل التي عبر بها عن رأيه، والواقع أنه لم يكن في ترتيب جمله تلك أي اضطراب، ولم يكن له عذر في مخالفته الواقع في ذينك الموقفين، لأنه كان يستطيع الاستيثاق مما قال أو كتب بالرجوع إلى ما كان قد خطه قلمه في موضعه من كلامه إن كان ضعف الذاكرة هو الذي جعله ينسى حقيقة ما كان قد كتب ولم يكن قد مضى عليه أكثر من أسبوعين. لكن الذي به ليس هو ضعف الذاكرة ولكن صعوبة أو استحالة يجدها في الاعتراف بحق إذا كان عليه، فاعتذر بما اعتذر به رغم مخالفة الواقع اعتماداً فيما نظن على أن القراء يقل فيهم من يكلف نفسه عناء مضاهاة ما زعم بما وقع منه بالفعل.

لكن هاتين السقطتين ليس لهما فوق دلالتهما النفسية أية أهمية ذاتية إذ هما منه وإليه. هو أخطأ وهو يجتهد في ستر خطئه عن الناس ولو بشيء من التوسع في تحديد الصدق. فإذا كان قد فارق الصدق بهذا فالضرر لاحق به هو لا بغيره. أما إذا كان ضرر ذلك يعود على غيره من قريب أو من بعيد فان وجه المسألة يتغير بقدر ذلك. ويصبح وجه المسألة أشد تغيراً إذا كان الذي يتناوله بالتحريف والتلفيق كلام غيره لا كلامه هو. أما إذا كان الكلام المحرف أو الملفق هو كلام شخص يكرهه قد تصدى هو لنقده وكان التحريف والتلفيق من شأنه أن يؤذي الشخص المنقود كما وقع للرافعي، فإننا عندئذ نصبح أمام مسألة جديدة تتعدى الإنصاف في النقد إلى الأمانة في النقل، وتتجاوز الخطأ في الرأي إلى التدليس العمد وإلى محاولة النيل من الخصم في النقد الأدبي عن طريق غير شريف.

ومقالات (بين العقاد والرافعي) لم تبرأ من هذا العيب. ولعلنا كنا نعفو فلا ننتبه إليه لولا غرور ومكابرة يبدوان فيما يكتب صاحبها، ولولا أن صاحبها جعل من الفروق الأساسية بين مدرستي (الرافعي والعقاد) امتياز الثانية على الأولى بما سماه (الصدق الجميل) من ناحية، وتصحيح الأمزجة والنفوس بالأدب وللأدب من ناحية أخرى. فنحن مضطرون إلى تبيين ظاهرة كالتي أشرنا إليها، لا لأنها من الواقع فحسب، ولكن وفاء بحق النقد واختباراً لتينك الميزتين أمتحققتان هما في الكاتب كنموذج للمدرسة التي ينتسب إليها أم غير

<<  <  ج:
ص:  >  >>