للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والنفس الكبيرة التي يحملها العقاد، والقلوب المنفسحة التي وهبت لأمثاله، إنما هي معارض يبدي فيها هذا الحب فنونه ويلعب أدواره ويقرب فيها من غاياته، ويحقق أحلامه في أنسب الظروف والأحوال!

فالحب تمهيد للخلود، ومران على حياة الخالدين، حتى لا يفاجأ القانون بهذه الحياة، على بعد النقلة والشقة بين الحياتين!

هذي الليالي الدنيوية نفحة ... من عالم الملكوت والأعراف

لولا النعيم بها لما خطرت لنا ... مُثلُ النعيم بجنة ألفاف

ولهذا يتيقظ المحبون، ويعافون النوم. أليس النوم راحة لأهل الفناء من المتاعب وتجديداً لقواهم المنخذلة في كد العيشة، فما شأنه في اللحظات المقبوسة من النعيم الخالد

يقظة الحب من خلود وماذا ... يصنع النوم بين أهل الخلود؟

وإذا ذقت من موائد هذا الح ... ب فالنوم من فتات العبيد

والحياة والأحياء، إنما كانوا ينزعون للخلود، ويبتغون الدوام، فلما عز عليهم المطلب، وأبت طبيعتهم ما يطلبون، عوضوا عنه بالحب، فكان عوضاً كاملاً شائقاً تمناه الخالدون!

ما الحب، ما الحب؟ إلا أنه بدل ... من الخلود فما أغلاه من بدل

نزهي به حين يزهى الخالدون بما ... نالوه من أبد باق ومن أزل

داموا فلما تقاضينا الدوام لنا ... قالوا لنا: (حسبكم بالحب من أمل)

داموا وقد حسدونا في سعادتهم ... على السعادة بين الموت والقبل

وفي هذا الإحساس الفريد، يلتقي الشاعر الكبير، بالعالم المفكر، بالفيلسوف العظيم، وتصح نظرة كل منهم في الحب، وغاية الطبيعة منه، وذلك حد العبقرية في الفنون

ويصح أن نتبع بما سبق قوله:

أتحلمين بشيء كامل أبداً ... أتم من عالم في قلب حِببن؟

(فالكمال) المنشود في الحب صنو (الخلود) أو غايته أو وسيلته: فهو صنوه لأنه غرض مثله من أغراض الحياة؛ وهو غايته، لأن الحياة إنما تريد الدوام لتتهيأ به للكمال؛ وهو وسيلته، لأن الحياة لن تنال الخلود وهي ناقصة متحيفة الجوانب والأجزاء وهو هذا كله في حس الشاعر الملهم بما في ضمير الأكوان والآباد

<<  <  ج:
ص:  >  >>