للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويكمل هذه النظرة ويشرحها حديثه في كتاب (مراجعات في الآداب والفنون) في فصل: (الزهر والحب):

(لقد تعودنا أن نحسب العلاقة بين الذكر والأنثى أصلاً الحب بجميع صنوفه وألوانه، ولكنا إذا واجهنا الحقيقة من وجهة أعم وأعمق، تبين لنا أن هذا الحب بين الذكر والأنثى هو فرع طارئ من أصل إلهي قديم شامل للموجودات، مستقر في طبيعة الوجود، هو حب الكمال والدوام، وليس الحب بين الذكر والأنثى غاية في ذاته، وإنما هو واسطة من وسائط هذا الحب الأصيل)

والحب قد احتضن الحياة وهي جنين، حتى إذا برزت للوجود أخذ بيدها وقادها في مسالك الطبيعة، وحاول أن يسمو بها عن منبتها وينزع بها إلى الخلد والسماء:

هي الحياة جنين الحب من قدم ... لولا (التجاذب) ما ضمتك أكوان

والتجاذب بين (الإلكترون) و (البروتون) يقوم عليه بناء الذرة، فتبني على أساسها الأكوان. ولم يكن العقاد في حاجة للعلم بهذه النظرية التي أثبتها أخيراً (تحطيم الذرة) ليقول إن الحياة جنين الحب، ولكنها الشاعرية الكبيرة تنساح في تيارها العلوم والثقافات حتى تعود جزءاً منها لا ينماز عن طبيعتها وماهيتها

والحب يقود هذه الأرض، وينزع بها عن منشئها، ولهذا ينادي ربان الزورق النائم، وهو في سبحة من سبحات الحب:

نام رباننا وهمنا بعيداً ... فامض يا فلك في يدي (كوبيد)

وأتّبعه فالكون أجمع يا فل ... ك لَقي في يمين هذا الوليد

هو ربان هذه الأرض فأمن ... هـ على ملكك الصغير الزهيد

وتعلم منه عبور السموا ... ت فما دون سبحه من بعيد

وإذا كان الجمال كما قدمنا آنفاً هو خلاصة آمال الوجود وأشواقه، فحب هذا الجمال حب للوجود، ما كان منه ومن كان. والمعانق للجمال معانق للفضاء بأسره بما فيه من أنواع وأطماع. ومن يعش في بحبوبة الحب فإنما يعيش في الكون كله، فهو مدار العالم. يتضح كل ذلك في قصائد متفرقة:

إنا لمن معشر حب الجمال لهم ... حب لما كان في الدنيا ومن كانوا

<<  <  ج:
ص:  >  >>