للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في ثوبها الجديد. وكذلك تفعل الخمر حين تركض بالشعور وتلهب الدم فإنها تري النشوان من المحاسن ما لم يكن يراه في صحوه وتضاعف إحساسه وعطفه فيشعر بسرور هذا العطف في داخل نفسه ويشعر في الدنيا ببهجة تخفي على من حوله؛ ولذلك قيل إن الحب سكر أو أنه ضرب من الجنون)

والحب ملخص للأحاسيس الإنسانية في نفس الشاعر

غض عينيك قليلاً واستعد ... خطوات العام في الأفق الوسيع

كم ترى من خفقة غنت بها ... ساعة العمر التي بين الضلوع

كم ترى من قبلة رنت بها ... تلكم الساعة؟ قل لو تستطيع

كم ترى من نشوة حامت بنا ... حول عليين والعرش الرفيع

هو (حب) فإذا فرقته ... فهو ما راع قديماً ويروع

ووراء دلالة هذه الأبيات على ما أوردناها له تلمح ملكة التشخيص والتصوير، وهي تعمل عملها في نفس الشاعر وتخلق له من لحظات حبه شخوصاً ماثلة في ضميره، يغمض عينيه عن الدنيا الظاهرة ليتملاها ويستمتع بها واحدة واحدة، ويعمق بهذا متعة الحب، ويجوف خطراته

ولا ننس وراء ذلك كله هذا الخيال الطريف الذي يصور (العام) وهو يخطو في الأفق الوسيع، مرموقاً باللحظ والانتباه والإعجاب!

والحب معلم، يهب الحس فطانة، والروح نفاذا، والفكر يقظة، وفيه مهرب من الحياة إذا ساءت إلى دنيا جديدة:

إذا ساءت الدنيا ففي الحب مهرب ... وتحسن دنيا من أحاط به الحب

فبالحب تدري الحسن والقبح عندها ... وفي الحب علم لا تعلمه الكتب

والحب هو الذي يعمر القلب ويحييه، وحين يخلو القلب منه ينتهي إلى عالم خراب، وجدب كجدب اليباب:

هو الحب الذي يع ... مر هذا القلب لا المجد

حبك إن أخل منه يوماً ... خلوت في عالم خراب

يمر بي اليوم لا أراك كما ... يمر بالأرض عامها القاحل

<<  <  ج:
ص:  >  >>