للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تجمع بين السماء والأرض في قدرة كقدرة الخالدين

ولكن الميزة الكبرى لهذه النفس أنها تبدو صادقة في كل حالة، طبيعية في كل وجه، أصيلة في كل سحنة، فليست هي في حالة المتعة والإقبال بأقل منها في حالة العزوف والأدبار؛ وليست هي في ساحة الرجاء الطليق بأفضل منها في حرج القنوط المطبق، أو الشك الأليم. . .

وتلك قدرة - أو موهبة - لا تتاح لكل شاعر كبير، بل لعدد محدود من الشعراء الكبار؛ فقد يكون شاعراً كبيراً وهو يمتاز في ناحية واحدة من نواحي الاتجاهات النفسية الكثيرة ويرى الدنيا كلها في ضوء هذه الناحية الممتازة فيه

ونحن لا ننصف الرجل حين نقول: إن الأوتار التي يوقع عليها الحب في نفسه، لم تجتمع قط لشاعر عربي، ولا تجتمع لعشرة من شعراء العربية في جميع العهود

نحن لا ننصفه حين نتحدث عن اللغة العربية وحدها؛ ولكنا نقول ذلك مؤقتاً، لأنها اللغة التي نستطيع الحكم على آدابها حكما نملك أدلته كلها ونجزم فيه بالصواب. وإلا فبين يدي معربات كثيرة لشعراء من الغرب مشهورين معروفين (كبيرون وشيلي والفريد دي موسيه وفكتور هوجو)

لا أرى فيها من تعدد الجوانب الصادقة الأصيلة ما أراه في غزل العقاد وشعره عامة

وما أقول هذا وأقصد به إصدار حكم لا أملك كل مستنداته ولكنه توجيه لدارسي هذه الآداب، ودراسة تنفع للحكم بين شاعر مصري كبير ينالنا شرف سبقه وتفوقه في هذه الميادين، وبين شعراء العالم المشهورين المقروءين.

أول ما يطالعك في غزل العقاد - وفي شعره عامة - اليقظة والوعي الفني، والانتباه لما يجول في نفسه من الخواطر والأحاسيس، وما ينبض به قلب من يحب من المشاعر والأشواق وما يحيط بها من أجواء وآفاق.

وينشأ عن اليقظة الاتجاه الفلسفي، لتعميق الإحساس بالحب، كما ذكر على لسان (همام) في (سارة) وأسلفنا عنه الحديث. كما ينشأ هذا الاتجاه عن رأيه في الحب والجمال، وعلاقتهما بأغراض الحياة الكبرى، ووشائجها بالكون في آماله الفسيحة.

ولا مفر لمن ينظر هذه النظرة أن يجاوز التعبير عن خاصة نفسه في الغزل، إلى صلة

<<  <  ج:
ص:  >  >>