للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثم تسمعه بعد هذا كالطيف الهامس في حذر وتقاة:

إنا لمن معشر حب الجمال لهم ... حب لمن كان في الدنيا ومن كانوا

ليأمن الطير. إنا لا نكيد له ... ولا يخف مكرنا وحش وعقبان

الخ

ثم تنظره وقد انجلت هذه الروعة قليلا عن بدء الحسية والاستمتاع ليلة الوداع:

ويا ليلتي لما أنست بقربه ... وقد ملأ البدر المنير الأعاليا

تطلّع لا يثني عن البدر طرفه ... فقلت: حياء ما أرى أم تغاضيا

فقبلت كفيه وقبلت ثغره ... وقبلت خديه وما زلت صاديا

كأنا نذود البين بالقرب بيننا ... فنشتد من خوف الفراق تدانيا

كأن فؤادي طائر عاد إلفه ... إليه فأمسى أخر الليل شاديا

إذا ما تضاممنا ليسكن خفقه ... تنزى فيزداد الخفوق تواليا

أوشج في كلتا يديه رواجبى ... وشيجاً يظل الدهر أخضر ناميا

وتلمس كفي شعره فكأنني ... أعارض سلسالا من الماء صافيا

وأشكوه ما يجني فينفر غاضبا ... وأعطفه نحوي فيعطف راضيا

ثم تتدرج من هذا إلى متاع صريح، ولكنه خفيف سريع:

أتعلم أم أنت لا تعلم ... بأني عاشقك المغرم

أتقسم أنك لا تكتم ... بلى أنت تكتم أمراً ظهر

ولا تنس في عين شمس لنا ... ليالي موقرة بالجنى

ترف عليها طيور المنى ... مغردة في ضياء السحر

فكم بت أُسهر تلك الجفون ... وأُذبلها بالطلى والمجون

فباتت كما يعشق العاشقون ... مضاعفة السحر تسبي الفكر

أجل فليكن! ولكن شاعرنا لا يزال شاباً يستكثر الليالي المختلسة فيشيد بذكرها، ويفصلها تفصيلا، ويكاد في (واقعيته) يحدثنا عن صور الخيال!

وينتهي الحب الأول أو يزحمه الثاني ويعفى على آثاره. والناقد يطالع في هذا حبيباً قريباً في خصائصه من الحبيب الأول، يمتاز عنه بأنه شره للمعجبين بجماله، يريدهم حشداً لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>