للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الحكم؛ وطوى ابراهام الخطاب متألماً مكتئباً. . . ألا ما أشد عنت الأيام! حتى سيوارد الذي ليس غيره ترجى منه المعونة تكون من جانبه العقبات؟

وأشرقت شمس اليوم الرابع من مارس عام ١٨٦١، وكان يوماً من أيام الربيع طلق المحيا رخي النسائم. . . فخرج الناس يشهدون موكب الرئيس الجديد؛ وكان موكب الاحتفال بتولية رئيس الولايات من أعظم ما تهتم به البلاد؛ وهو في هذه المرة أجل قدراً منه في كل ما سلف من الأيام؛ وذلك لما كان يحيط بتولية ابراهام من معان تجيش بها نفوس الخصوم والأنصار

وقضى ابراهام صباح ذلك اليوم يقرأ خطبته من جديد ويهذبها بالحذف والإضافة، حتى متع النهار فجاء بيوكانون إلى الفندق في عربة فركب معه ابراهام، والناس على طول الطريق إلى بناء المحافظة (الكابتول) تقع أعينهم على الرجلين، فهذا هو الرئيس القديم يشيع في رأسه الشيب ويبدو على بدنه ومحياه الهزال من أثر السنين ومن اثر ما حمل من عبء أوشك أن يلقيه وقد أربى على السبعين. . . وهذا هو الرئيس الجديد يبدو قوياً فتيّاً وهو يومئذ في الثانية والخمسين؛ هذا هو الرجل القادم من الغرب، هذا هو ابن الغابة. . . هذا هو النجار تملأ الأعين قامته الطويلة التي تلوح للأعين أكثر طولا إلى جانب صاحبه الشيخ الضئيل. . . وهو يرتدي اليوم حلة ما ارتدي مثلها من قبل، حلة ارتضتها له ماري وهيأنها لذلك اليوم، ثم هو يقبض بيده الكبيرة التي أكسبها حمل المعول كبرها وخشونتها، على عصا جميلة أنيقة

وضاقت بالناس الطرقات؛ وكان رجال الشرطة قد أبعدوا الجموع قليلاً عن حافتي الشارع، وقد أمرهم كبيرهم ألا يسمحوا بأي عبث بالنظام مهما خيل لهم أنه تافه. وكان كبير الشرطة يخاف أن تمتد أيدي الآثمين إلى الرئيس بالعدوان إذ كانت الإشاعات قد اتخذت مجراها في كل سبيل، وملأ الهمس بها الآذان، ووجفت من هول الجريمة قلوب الكثيرين من المخلصين

ووصل الرئيس إلى مكان الاحتفال، وهو مرتفع أعد لهذا الغرض، وقد امتلأت الساحة المحيطة به بجموع من الناس حتى ما تتسع بعدهم لقدم. . . وكان على مقربة من المكان تمثال وشنجطون وقد نحت من المرمر الأبيض وهو يتلألأ في ضوء الشمس وتنبعث منه

<<  <  ج:
ص:  >  >>