للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

واضطرب حبل الأمور، وعمت الفوضى وكثرت المظالم، فرحل معظم علماء اليونان عن بلادهم إلى مصر والشام والعراق، حاملين معهم نتائج قرائحم، وخصب عقولهم، فأنشئوا المدارس في الإسكندرية وإنطاكية وبيروت، وكانت الإسكندرية إذ ذاك تحت حكم البطالسة، وكان سوتر أول ملوكهم عادلاً محباً للعلم والعلماء، فتوجهت إليها الأنظار، وتوافدت عليها العلماء والأدباء والفلاسفة، أفواجاً أفواجاً، حتى غصت بهم مدارسها ودورها وأنديتها. فتقرب إليهم سوتر، وأدناهم من بلاطه، وأغدق عليهم منحه عطاياه، فكان ذلك مشجعاً لهم على مواصلة البحث والدرس والتأليف، فأصبحت الإسكندرية بفضل سياسته قبلة المتأدبين، ومثابة العلماء يحجون إليها من مختلف الأقطار، ويجدون فيها من أسباب اليسر والرخاء ما ينصرفون معه إلى مواصلة دروسهم والانقطاع إليها

ويروي لنا التاريخ أن خطيباً أثينياً أسمه ديمتريوس فاليروس كان قد أشار على سوتر بإنشاء مكتبة يجمع إليها الكتب من مختلف أنحاء الدنيا، فقبل مشورته، وعهد إليه بذلك، فأخذ فاليروس يجمع الكتب ويبتاعها من تجار بغالي الأثمان، فجمع منها في مدة وجيزة (٥٤ ألف كتاب)، فكون منها مكتبة الإسكندرية الشهيرة التي عبثت بها الأيام فيما عبثت، وقد كانت تحتوي على الكتب التي بعث بها الإسكندر من اصطخر وغيرها إلى مصر، ثم أنشأ سوتر المتحف أو النادي على شكل مدارس أوربا، ويعرف في التاريخ باسم مدرسة الإسكندرية الشهيرة

وفي عام ٢٨٥ ق. م. تولى عرش البطالسة بطلوماوس فيلاذلفوس، وكان كسلفه محباً للعلم مشجعاً له، فعمل على توسيع هذه المكتبة، وأضاف لها من كتب علوم اليونان وغيرهم ما لم يكن موجوداً فيها، وابتاع لها الكتب التي كانت موجودة عند أرسطو، وكثيراً من مؤلفات اليهود والمصريين القدماء

ومن المؤرخين من ينسب فكرة تأسيس هذه المكتبة إلى بطلوماوس لا إلى سوتر، فقد ذكر أبن النديم في كتابه الفهرست ص ٢٣٩ رواية عن إنشاء هذه المكتبة لرجل يدعى اسحق الراهب وإليك نصها: (إن بطلوماوس فيلاذلفوس من ملوك الإسكندرية لما ملك فحص عن كتب العلم وولى أمرها رجلاً يدعى بذميرة فجمع من ذلك على ما حكي أربعة وخمسين ألف كتاب ومائة وعشرين كتاباً، وقال له: أيها الملك قد بقي في الدنيا شيء كثير في السند

<<  <  ج:
ص:  >  >>