للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بعد طول الكفاح فشرعت قلمها العذب وكتبت رسالتها الأولى إلى الرافعي بإمضاء (الصابرة) وقرأ الرافعي رسالتها ثم قص على خبرها وتندت عيناه بالدموع: يالها من فتاة باسلة!

وأجابها الرافعي على رسالتها بتذييل صغير في حاشية إحدى مقالاته في الرسالة. . وعادت تكتب إليه وعاد يجيبها وتوالت رسائلها ورسائله وقد كتم اسمها وعنوانها عن كل أحد - وكانت كتبته إليه في ورقة منفصلة في إحدى رسائلها ليمزقه وحده إن عناه أن يحتفظ برسائلها - وكان لها الرافعي كما أرادت: أباً وصديقاً ومرشدا ًومشيراً؛ ولم يأبَ عليها في بعض رسائله أن يتبسط في الحديث إليها عن قصة (القلب المسكين) لعلها تجد فيما يكتب إليها من شئونه عزاء وتسلية. . وتعزت المسكينة عن شيء بشيء، وثاب إليها الاطمئنان والشعور بالرضا. وبدا في رسائلها لون جديد لم يكن في رسالتها الأولى. وأخذت تكتب إليه عن كل شيء تحس به أو تراه حولها، وتستشيره فيما جلَّ وما هان من شئونها، في سفرها، وفي إقامتها، وفي رياضتها، وفي عملها، وفي يقظتها، وفي أحلامها. . في كل شيء كانت تكتب إليه، سائلة ومجيبة، ومخبرة ومستشيرة، حتى في صلاتها مع صديقاتها وأصدقائها، وفي الخطاب الذين يطرقون بابها يطلبون يدها. . ولم يكن يضن عليها بشيء من الرأي أو المشورة. .

وكان للصابرة جزاء ما صبرت، وتحققت أمانيها على أكمل ما تتحقق أماني إنسان، وجاءها العروس الذي لم تكن أحلامها تتطاول إليه في منامها، وبرق في إصبعها خاتم الخطبة فانيهرت منه عيون! لا أريد أن أذكر من صفات خطيبها حتى لا أعرف بها وبه، وليس من حقي أن أكشف ما تريد هي أن يظل مستوراً. . . لو قلت أن خطيبها كان وزيراً لما بعدت! واستمرت تكتب للرافعي والرافعي يجيبها. . . حتى رسائل خطيبها إليها كانت تبعث بها إلى الرافعي ليشير عليها كيف تجيب، وحتى برنامجها قبل الزفاف وبعده كان بمشورة الرافعي ورأيه. . .

وجاءته آخر رسالة منها مؤرخة في ٣٤١٩٣٧ (نعى الرافعي

في ١٠٥١٩٣٧) تقول فيها:

<<  <  ج:
ص:  >  >>