للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

حتى أتى عليها، فقال له: ما أحسن ما قلت، إلا أنك إذ شبهت الشيء ليس تجئ به جيداً كما ينبغي، ولكنك تقع قريباً، فلا يقدر إنسان أن يقول أخطأت ولا أصبت، تقع بين ذلك ولم تصف كما وصفت أنا ولا كما شبهت. قال: وتدري لم ذاك؟ قال: لا، قال: لأنك تشبه شيئاً قد رأيته بعينك، وأنا أشبه ما وصف لي ولم أره بعيني، قال: صدقت هو ذاك

وليس هذا من رؤية وذي الرمة إلا تعصباً على الكميت من اجل أنه حضرياً، وأنهما كانا بدويين يذهبان في الشعر مذهب أهل البدو. وقد ذكرنا أن الكميت كان يجمع في شعره بين أدب الحاضرة والبادية، فكان من جهة اللفظ والأسلوب كسائر شعراء البادية في الإسلام والجاهلية، وكان من جهة الغرض الذي يرمي إليه في شعره حضرياً يذهب في ذلك مذهباً جديداً يليق بشاعر مثقف بمثل ثقافته، وهو في هذا يخالف شعراء عصره إذ كانوا يذهبون في أغراض الشعر مذهباً بدوياً جاهلياً لا أثر فيه للثقافة الإسلامية، ولا تتفق غايته مع الغاية التي كان يجب أن تكون غاية الشعر في هذا العصر.

والشعر عندنا كما يوزن بألفاظه ومعانيه يوزن بأغراضه ومقاصده، فلا يصح أن يكون الشعر الذي له غاية سامية في الحياة كالشعر الذي لا يراد منه إلا اللهو والعبث، وليس جد الحياة كهزلها، ولا حقها كباطلها، فليكن جد الشعر فوق هزله، وليكن حقه فوق باطله، وليكن الكميت في هاشمياته فوق شعراء عصره جميعاً.

عبد المتعال الصعيدي

<<  <  ج:
ص:  >  >>