للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[لا كرامة لنبي في وطنه!]

ولي الدين يكن يتجاهله المصريون

للأستاذ كرم ملحم كرم

مما يؤلم أن ليس لأديب مصر ولي الدين يكن صدى مسموع في وادي النيل وهو الذي ملأ وادي النيل صيحات وأغاريد، فالمصريون إخوانه لا يحفلون به كما يحفلون بسواء من رجال الأدب والعلم، فكأنه لم يكن، مع أن ولي الدين بلغ مكانة في الأدب والبيان يحن إلى بلوغها عدد وافر من بني قومه. ومعظم هؤلاء الذين يكتبون اليوم في مصر لا يجيدون الكتابة كما أجادها ولي الدين. فان لولي الدين في الإنشاء أسلوباً لم يسبقه إليه منشئ، وما جاراه فيه مقلد، فارتقى إلى ذروة سامية كان فيها نسيج وحده. فنفحنا بلغة القرآن كما نفحنا جبران خليل جبران بلغة التوراة، وظهرت لنا فيه الفخامة، والتشبيه البكر، والرقة، والبلاغة. وقد يكون في بيانه أقدر كاتب عرفته مصر، فما في أسلوبه تقعر ولا تحذلق ولا ترهل، بل قوة ورسوخ، قوة مصدرها القلب، ورسوخ لحمته الإخلاص؛ فليس يكتب ولي الدين ليملأ فراغاً بل ليجود بما تزخر به نفسه من عواطف وأشجان.

وإن يكن ثمة أديب يدل إنشاؤه عليه فهو ولي الدين، ففيما يكتب تجري نفسه: فيما يكتب الأنفة، وولي الدين أنوف. فيما يكتب الجرأة، وولي الدين جريء؛ فيما يكتب ثورة على الظلم وولي الدين ثائر على الظلم. فيما يكتب عن العظمة، وولي الدين عظيم. في أصله وفي قلمه. فان إنشاءه إنشاء ملوك، وهو من حفدة أصهار الملوك والسلاطين

لقد استعان المنفلوطي بعواطف سواه لما كتب، فزخرف ونمق؛ وذلك حسبه، على حين أن ولي الدين خلق، وهذا هو المنشئ البليغ. كتب ما بحسه بلغة رفيعة وجيزة تنطلق كالسهم فلا انحناء ولا التواء؛ ومع كونها لغة ما قل ودل فأنها لتموج بالزخرف كالعروس

ولولي الدين في الأدب أنداد جروا مجراه في الأنفة والسمو والنبل. ومن هؤلاء أبو فراس الحمداني، والشريف الرضي. أبو فراس طمع في العرش الحمداني والشريف الرضي في الخلافة. وبين ولي الدين وبينهما شبه متعدد الوجوه في عواطفه وشعره

ولي الدين عانى وحشة المنفى، وأبو فراس ذاق مرارة الأسر. أبو فراس عاش ومات مقهوراً، وولي الدين عاش ومات مقهوراً. شعر المتنبي طغى على شعر أبي فراس، وشعر

<<  <  ج:
ص:  >  >>