للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

العقاد وقتئذ حائراً في تفسير أوجه الشبه بين شاعر العرب الكبير ومفكر ألمانيا وفنانها الكبير، وهو لو ذهب من ناحية الطبيعة الفنية يعلل أوجه الشبه بين الرجلين مستعيناً بالعوامل التي تكافأت مع هذه الطبيعة، لكان نجح في بحثه أضعاف ما نجح.

مضى صديقنا فليكس فارس يترجم عن نيتشه كتابه، مأخوذا بهذه الروح، ونحن نظلم أنفسنا ونظلمه ونظلم الحقيقة إذا ذهبنا نقارن بين كتاب زارازوسترا في أصله الألماني وبين ترجمته العربية، لأن أديبنا المترجم رجل أنصب تفكيره في بيانه عن طريق الاشتراك بين العلة والمعلول. . . ومن هنا كانت ترجمته سلخ لتفكيره عن إنشائه - كما يقول هو - ليكون إنشاؤه هيكلا سويا من البيان يحتل روح مؤلف مبدع صاحب بيان وفن كفردريك نيتشه. ولما كان السلخ غير مستطاع في كل الحالات كانت أفكار المترجم تتسرب إلى تفكير نيتشه فتخلتط به أو تجعل مفهوم كلامه ينحرف بعض التحريف حتى يجوز المكافأة لنطق المترجم، وآثار هذا الانحراف جلية في الترجمة، تارة في صورة تصرف، وطورا في صورة تفسير وتأويل. ومن هنا كان لنا أن نعتبر الترجمة تحمل طابعاً شخصياً يتصل بالمترجم، لا عند بيانه فحسب بل يتكافأ ومنطقه إلى حد كبير

ولا أدل على هذا من تصرف المترجم في كلام نيتشه وتأويله وتخريجه عباراته تخريجا يبعدها كل البعد عن مفهوماتها.

يقول نيتشه في فصل (بين غادتين في الصحراء) على لسان (زارازوسترا) نشيداً يستهله بقوله:

إن الصحراء تتسع وتمتد فويل لمن يطمح إلى الاستيلاء عليها!

يا للمهابة!

يا للبداية تليق بمهابة صحراء إفريقيا!

تليق بأسد أو نذير يهيب بالناس إلى مكارم الأخلاق

إنها لروعة لم تسط عليكما يا صديقتي عندما أتيح لي أنا ابن أوربا أن أجلس عند أقدامكما تحت ظلال النخيل.

حي على الصلاة!)

فهنا (أسد الصحراء) رمز (للنبي) رمز (لانبعاث الفضائل العليا وتمردها على الجحود

<<  <  ج:
ص:  >  >>