للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الراهب الذي سجنته بين ضلوعي!

وأناملي الآن تحاول أن تشير إليك بالقلم والمداد في رموز أغني بها وأبكي!

ليس الكلام هنا شيئاً يذكر بجانب الفكر، وليس الفكر شيئاً يذكر بجانب الوجدان. . .

ولكي أكتب عن معناك كتابة عارف. . . لابد لي من جسد آدم الذي لامسته يدك، وعمر نوح الذي طال فيه سرك، وعقل إبراهيم الذي سعى أمامه نورك، وأذن موسى التي رن فيها صوتك، وإنشاد داود الذي ترقرق فيه نغمك، ويد عيسى التي كان معها إذنك، وكمال محمد الذي انطلقت منه إلى الإنسانية كلمتك الخاتمة. . .

أجل! لابد لهذا أن أغتسل بالبحر كله، وأتوضأ بالشعاع كله، وأتوج بالشمس والقمر والنجوم. . ثم أندمج في كل شيء لأتسمع إلى الهمسات والأحاديث الدائمة بين العوالم والأكوان عن الظاهر الباطن، والأول الآخر. . . . المتكبر! الذي أذابها وأفناها انتظار لمحة لوجهه ذي الجلال!

ولكن يا طين آدم! مالك ولهذا العلو الشاهق؟

يا خنفساء الغبراء! لا تحلمي بجو النسور. . .

يا جُعَل! إن شذا الورد يخنقك. . . فلا تطلب سكنى الرياض. . .

كيف يقوى على سنا الرب قلب ... ليس يقوى على سنا المربوب!

والكلمات لا تَناهي لدى الله ... فلابد من بقاء الغيوب

أجل يا (باكثير)!

ولكن الذي يتصدى لكبرياء الإلهية، إنما يحاول أن يبلغ أقصى حدوده وأدنى حدودها ليعود فبقول كلمة تربح ذلك الراهب السجين، وتكون مشاركة منه في عزف اللحن الدائم مع أوتار الطبيعة، وفي تسجيل الكلمات المبينة مع أفلام الطبيعة. . . . حتى يرى بعد ذلك كلمته هذه طائرة بجوها الموسيقي، تخفق بجناحيها في رئات الناس، وترقص في ضياء عيونهم، وتأكل من حبات قلوبهم، وتغرد في منطقة الصمت من أفئدتهم!

قد لا يدرك الإيمان على حقيقته إلا المؤمن الأخرس الأصم. . . الذي لم يقل ولم يسمع إلا الكلمات النفسية التي لا تصب بقوالب من الألفاظ الضيقة التي قد تكون منحرفة الوضع أو مبهمة الدلالة أو ناقصة الموسيقى. ولكل معنى في النفس جو موسيقي يجب أن يصحبه في

<<  <  ج:
ص:  >  >>