للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ذلك أيضاً لاسيما وقد ناله منهم قبلا الذل والمهانة، ولكن الإسلام لا يقر أخذ الثأر، ويأبى على المسلمين أن يقاتلوا لهوى وحقد في نفوسهم؛ ولهذا فقد قبلوا منهم فدية قانونية عادلة (لا تتجاوز مقدور أضعفهم) بل إن فيهم من أطلق سراحه بتعليم عشرة من أطفال المدينة القراءة والكتابة، وهذه الفدية الجديدة تنافي ما أشيع من عداء الإسلام للعلم وحثه على الغزو

وكان من أسرى بدر سهيل بن عمرو، وكان سهيل قد شنع بخطبه على الرسول، فقال له عمر بن الخطاب: دعني أنزع ثنيتي عمرو فيدلع لسانه، فلا يقوم عليك خطيباً في موطن أبداً

وكان ذلك أقل ما يجب أن يفعله الرسول (ص) برجل شنع عليه بخطبه، وهو لو فعله لما تجاوز العدل قط، ولكن الرسول (ص) تنزه عن الحسد، والحقد، وتطهر قلبه بالإسلام من جميع أهواء النفوس في الجاهلية، فما كان منه إلا أن قال: (لا أمثل به فيمثل الله بي وإن كنت نبياً)

يا له من إيمان سام! يعلو بالنفس عن أحقاد الدنيا، ويجعلها على اتصال بخالقها، فلا تتدلى لحضيض الأهواء البشرية الفاسدة

فقد أدب الله نبيه فأحسن تأديبه، وليس من الأدب قط أن يمثل الإنسان بأخيه ولو كان نبياً!. . . ولذا أبى الرسول أن يمثل بسهيل بن عمرو، بل رده إلى قومه عزيزاً مكرماً، ليعلم البشرية بذلك درساً سامياً كاد جهلها به أن يرديها في هوة الشقاء.

ولسنا نتبين جلال هذا الموقف، وسمو هذا العفو، إلا بمقارنتهما بتمثيل قريش وغدرها. . فمن ذلك ما حدث لقتلى المسلمين في واقعة أحد (فقد طافت هند بن عتبة والنسوة اللاتي جئن الميدان معها، تجدع آذان القتلى وأنوفهم؛ ولما وصلت إلى حمزة بن عبد المطلب بقرت بطنه وأخرجت كبده فلاكتها فلم تسغها فلفظنها واتخذن من آذانهم وأنوفهم قلائد عدن بها إلى مكة)

وانظر إلى هذه الحادثة التي يتمثل فيها اللؤم والغدر بأجل مظاهرهما، والتي قابل بها المشركون القرشيون إخوانهم المسلمين بعد أن عفوا عن أسراهم، وكان في قدرتهم أن يمثلوا بهم ويجزوا أعناقهم عن أجسادهم؛ فقد طلب أبو براء عامر بن مالك بن جعفر العامري من النبي (ص) بعْثاً يبشر قومه في نجد، وكان النبي يعرف غدر قريش

<<  <  ج:
ص:  >  >>