للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

هاشمياته:

تكاد الهاشميات أن تكون كل ما بقي من شعر الكميت. وقد كان للكميت شعر كثير بلغ إلى موته خمسة آلاف ومائتين وتسعة وثمانين بيتاً، ولا أدري كيف ضاع هذا القدر الكثير من شعر الكميت، ولعل شهرة الهاشميات هي التي غطت على غيرها من شعره، فشغل الناس بها عنه.

ومن هاشمياته لاميته التي تبلغ تسعة وثمانين بيتاً، وقد ابتدأها بقوله:

ألاَ هل عَم في رأيه متأمِّلُ ... وهل مُدبْرٌ بعد الإساءة مُقْبلُ

فلفت به أهل عصره من الهزل إلى الجد، وأرسلها صرخة قوية في آذان أولئك الغافلين، ليصحو من غفلتهم، ويتنبهوا إلى الخطر المحدق بهم، وهو في هذا ينسى شخصه ونفسه، ولا يفكر إلا في مصلحة أمته، ولاشك أن من ينظر إلى هذا المطلع وخطره يدرك الفرق الشاسع بينه وبين المطالع العابثة التي اعتاد شعراء العربية أن يفتتحوا بها قصائدهم.

وقد مضى بعد هذا يضرب في هذه اللامية على هذا الوتر فقال:

وهل أمة مستيقظون لرشدهم ... فيكشف عنه النعسةَ المتزملُ

فقد طال هذا النوم واستخرج الكرى ... مساويهم لو كان ذا الميلُ يعدل

وعطلت الأحكام حتى كأننا ... على ملة غير التي نتنحل

كلام النبيين الهداة كلامنا ... وأفعال أهل الجاهلية نفعل

إلى أن قال:

فتلك أمور الناس أضحت كأنها ... أمورُ مًضِيعٍ آثر النومَ بُهَّل

ثم أخذ يوجه صرخته إلى خاصة الأمة وساستها، بعد أن صرخ بذلك في دهمائها وعامتها، فقال:

فيا ساسة هاتوا لنا من حديثكم ... ففيكم لعمري ذو أفانين مِقول

أأهل كتاب نحن فيه وأنتم ... على الحق نقضي بالكتاب ونعدل

فكيف ومن أنى وإذ نحن خلفة ... فريقان شتى تسمنون ونهزل

بُرينا كبرى الفدح أوهن متنه ... من القوم لا شارٍ ولا متنبل

<<  <  ج:
ص:  >  >>