للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

رسالته إلى الرشيد - ص ١٩٩

وكانت وجهة أهل الحجاز كوجهة أهل العراق تدوين الأحكام الشرعية مبوبة مرتية، إلا أن اعتماد أهل الحديث على السنة أكثر من اعتمادهم على الرأي، بل هم كانوا يعتبرون الرأي ضرورة لا يلجأون إليها إلا على كره وعلى غير اطمئنان

وقد روى عن مالك: انه قال في بعض ما كان ينزل فيسأل عنه فيجتهد فيه رأيه: (أن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين) مختصر جامع بيان العلم ص ١٩٢

وكان أهل الحديث يكرهون أن يتكاثر والناس بالمسائل كما يتكاثر أهل الدرهم بالدراهم، وكانوا يكرهون السؤال عما لم يكن، قالوا: إلا ترى أنهم كانوا يكرهون الجواب في مسائل الأحكام ما لم تنزل، فكيف بوضع الاستحسان والظن والتكلف وتسطير ذلك واتخاذه دينا!

وفي (الانتقاء): قال (الهيثم بن جميل): (شهدت مالك بن أنس سئل عن ثمان وأربعين مسألة فقال في اثنتين وثلاثين منها: (لا أدري)

ولم يكن أهل الحديث مع ذلك ينكرون اجتهاد الرأي والقياس على الأصول في النازلة تنزل عند عدم النصوص)

ح - الشافعي بين أهل الرأي وأهل الحديث

ظهر الشافعي والأمر على ما وصفنا من نهضة الدراسة الفقهية في بلاد الإسلام نهضة ترمي إلى الوفاء بالحاجة العلمية في دولة تريد أن تجعل أحكام الشرع دستوراً لها

ومن انقسام الفقهاء إلى أهل رأي يعتمدون في نهضتهم على سرعة إفهامهم ونفاذ عقولهم وقوتهم في الجدل. وأهل حديث يعتمدون على السنن والآثار ولا يأخذون من الرأي إلا بما تدعو إليه الضرورة

كان أهل الرأي يعيبون أصحاب الحديث بالإكثار من الروايات الذي هو مظنة لقلة التدبر والتفهم (حكي عن أبي يوسف قال: سألني الأعمش عن مسألة وأنا وهو لا غير، فأجبته، فقال لي: من أين قلت هذا يا يعقوب؟ فقلت: بالحديث الذي حدثتني أنت. فقال يا يعقوب أني لأحفظ هذا الحديث من قبل أن يجتمع أبواك ما عرفت تأويله إلى الآن. مختصر جامع بيان العلم ص ١٨٢

فأصحاب الحديث كانوا حافظين لأخبار رسول الله، إلا أنهم كانوا عاجزين عن النظر

<<  <  ج:
ص:  >  >>