للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(الأربسكة) المعروف عند النجارين، مهما بلغ التفنن في نقوشه وألوانه، وعشاق (الأربسكة) لا يتطلعون إلى فهم الصور الفنية بحال من الأحوال

والرافعي كذلك مظلوم - ولاشك - أن يقرن أسمه إلى أسم العقاد؛ فيطالبه النقاد حينئذ بالحياة والحركة والعمق، أو يطالبونه برأي معين في مسائل الحياة الكبرى وفي نواحي الإحساس والشعور، والرجل في عالم آخر غير هذا كله، عالم الأخشاب المنقوشة والشرفات المزركشة، والأصباغ والألوان. ومازلت كلما عدت إلى قراءة شيء من كتابة الرافعي، يمتد بي الخيال إلى (البهلوان) الذي (يتقصع) في مشيته ويضع يده في خاصرته، ويأبى أن يسير في الطريق بخطوات سهلة كما خلقه الله!

أما شأن الرافعيين معي، فشأن الرافعي مع العقاد سواء بسواء. كنت أعرض لهم الحياة المائجة الهائجة، فيعرضون لي النصوص والألفاظ؛ وكنت أحاول أن أفتح أبصارهم وأفتق إحساسهم، وأفهمهم أن في الدنيا شيئاً غير التعبير المزوق، وغير اللفتات الذهنية القريبة، والمعاني اللولبية، والجمل المنثنية المترقصة، فيأبوا إلا أن يعودوا إلى هذا العبث العابث في لف ودوران

ولست على استعداد أن استعيد ما قلت وقالوا، فقد أنفقوا - على ما يظهر - كل رصيدهم في هذه الكلمات المكرورة المعادة التي كتبوها، وما هذا بعجيب، فما لهم رصيد سوى بضع جمل وبضعة تعبيرات، وما كان لهذا العالم المصنوع الذي يعيشون فيه، ولا ينفذون منه أبداً إلى ضجة الحياة، أن يكون له رصيد مذخور سوى الخواء والإقفار

ولكنني أريد أن أعرض لبعض ما قاله مندوبهم الأخير، وأعاد به ما قالوه واحداً بعد الآخر في جهد وإعياء شديد

لقد أخذ يردد نغمة العوام في الموتى والأحياء، ويعتمد على شعور هؤلاء العوام في تقدير موقفي وأنا أتحدث عن العقاد الحي، وموقفهم وهم ينافحون عن الرافعي الذي مات

والمسألة - في ظاهرها - كما يقولون، ولكن الواقع غير ذلك، فأنا في دفاعي عن العقاد أمجد وأشرف من دفاعهم عن الرافعي، إذا كان مناط الحكم في هذا ما يناله كلانا من ربح أو خسارة، على النحو الذي يفهمونه هم من الربح والخسارة

فماذا يكلفهم الدفاع عن الرافعي؟ إنه لا يكلفهم شيئاً، بل على العكس يكسبهم حسن الأحدوثة

<<  <  ج:
ص:  >  >>