للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ سيقولون لله. . . الآيات)

وإنما كان شركهم في توحيد الألوهية، أي في توحيد العبادة، وهو أنهم لم يقصروا عباداتهم بأنواعها على مستحقها وهو الله وحده كالدعاء والخوف والرجاء، والاستعانة والاستغاثة، والذبح والنذر ليقربوهم إلى الله على عزمهم، قال تعالى: (ألا لله الدين الخالص، والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى. . . الآية) وقال تعالى: (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله. . . الآية) فردّ الله عليهم هذا الزعم الباطل بهذه الآيات نفسها، وبالآيات السابقة في توحيد الربوبية (ولئن سألتهم) (قل من يرزقكم) وأقام عليهم الحجة بما أقروه من انفراده تعالى بأفعال الربوبية، على ما أنكروه من وجوب إفراده تعالى بالعبادة

ومن صنيعهم أنهم كانوا في الشدائد يخلصون لله في الدعاء كما قصّ علينا من شأنهم بقوله: (فإذا ركبوا في الفلك دَعَوا الله مخلصين له الدين، فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون)

٥ - من المهم بيان أن الخوف نوعان: خوف عادة كالخوف من عدوّ أو سبع مثلاً، وهذا خوف طبيعي لا محذور فيه، وخوف عبادة، كالخوف من تصرف غائب أو ميت، بعباد الله، كتصرف الله بمخلوقاته، وهذا فيه كل المحذور لأنه يتضمن اعتقاد أن لبعض المخلوقات قدرة على التصرف بأنفس الأحياء وأموالهم، كقدرة الله تعالى، وهذا يخالف الحس والواقع، ويناقض عقيدة التوحيد بأفعال الله تعالى. وهكذا سائر الصفات منها طبيعي ومنها غير طبيعي؛ فمن الطبيعي مثلاً خوف موسى عليه السلام من عصاه لما انقلبت حيّة (قال خذها ولا تخف سنعيدها سيرتها الأولى) ومن غير الطبيعي حب بعض المخلوقات حب عبادة، كما يحب المؤمن ربه، قال تعالى (ومن الناس من يتخذ من دون أنداداً يحبونهم كحب الله، والذين آمنوا أشد حبا لله) أو خشيتُه كما يخش المؤمن ربه، ومن شواهده قوله تعالى (إذا فريق منهم يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية) ومن الأول أيضاً (أي الطبيعي): (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) ومن الثاني (أي دعاء العبادة): (وان المساجد لله، فلا تدعو مع الله أحداً) وهكذا الاستعانة والاستغاثة، منها ما هو عادي طبيعي كاستعانة الناس بعضهم ببعض فيما يقدرون عليه، ومنه قوله تعالى: (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه)، فهذا داخل في دائرة الأسباب والمسببات، ومنها ما هو فوق

<<  <  ج:
ص:  >  >>