للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

[الكونتس فالنتين دي سان بوا]

للأستاذ كامل يوسف

جرى قلمي في كلمتي عن المرحوم ولي الدين بك يكن بذكر الكونتس فالنتين دي سان بوا، وبما أنها من الدوحة الشاعرة التي أنجبت لامرتين شاعر الجمال والحب، ومؤلف عشرات الكتب التي تفيض بالشاعرية والخيال الخصيب، أحببت أن أكتب كلمة عنها لتعريف المصريين بها

فهي حفيدة لامارتين، أو على الأصح ابنة ابنة أخته، ورثت عن خال أمها الروح الشاعرية وسمو الخيال، فكانت شاعرة من الطبقة الأولى لا يشق لها غبار. ويمتاز شعرها بالروح الصوفية. وهو ككل شعر صوفي مبهم يحتاج للشرح والتعليق حتى يدرك القارئ كنهه. وقد بدت هذه النزعة في ديوانها الشعري الذي اشتهرت به؛ ويكاد يلمس القارئ لهذا الديوان روح نيتشه في كتابه (هكذا قال زرادشت)، بل إنه يسير على نمطه في الأسلوب. وقد أبديت رأيي هذا في عام سنة ١٩٢٨ للأدباء الذين كانوا يحيطون بها فلقي منهم التأييد، لأن الكونتس كانت تعجب بنيتشه كشاعر فذ، خصوصاً في سفره (هكذا قال زرادشت) وكانت لا ترى فيه فيلسوفاً له مدرسة فلسفية خاصة

وهذه الروح الصوفية هي التي حدت بها إلى الإقامة بمصر، فهي زوجة وزير من وزراء فرنسا وزارت أسبانيا، وشاهدت هناك جامع قرطبة، فأعجبت بالفن العربي، واتخذ هذا الإعجاب صورة ملية فأرادت أن تلمس حياة الشمس وتختبر روحه، فتركت فرنسا بما فيها من مدنية وجاءت إلى مصر باعتبارها المركز الروحي للبلاد الشرقية، وكان هذا الولع بروح الشرق المتصوفة دافعاً لها على إصدار مجلتها الشهرية (فينكس) للدفاع عن أمم الشرق قاطبة. وقد أنفقت على هذه المجلة مالاً وفيراً، وظلت أكثر من عامين وهي تسخر قلمها البديع لهذه الغاية السامية ولكنها لم تستطع الاستمرار في إصدار مجلتها لنضوب مواردها من أملاكها بمقاطعة سان بوا بفرنسا ومن ربح مؤلفاتها الكثيرة، وذلك عند هبوط سعر الفرنك في سنة ١٩٢٨

وقد بدت الروح الصوفية عند الكونتس دي سان بوا في أجلى صورها عندما لجأت إلى أسلوب مبتكر للتعبير عن المعاني الباطنية للحقائق الظاهرة، وقد أطلقت على هذا الأسلوب

<<  <  ج:
ص:  >  >>