للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أخلص لواجبه أن يدفع تلاميذه دفعاً إلى رحاب الواجب في خدمة الوطن الغالي. وهو يستطيع أن يخلق منهم رجالاً يفرقون بين المعاني الوطنية والمعاني الإنسانية بحيث يصبحون فيما بعد من دعائم الحياة القومية

مدرس اللغة العربية مسئول قبل سواه عن خلق الروح المعنوي في المدارس لأنه يملك التعبير الجميل، ولأنه ارتاض على سياسة القول، ولأن لديه فرصاً كثيرة يستطيع بها توجيه التلاميذ إلى شريف الأغراض وكريم المعاني

ثم انتقلنا إلى موضوع شائك هو تحديد الفروق بين المدارس المصرية والمدارس الأجنبية

والظاهر أني أحب المدارس الأجنبية حبا يجعل ذنوبها حسنات، وقد فصلت رأيي في حضرة رخا بك وارتضاه، فما هو ذلك الرأي؟

من بين أبنائي ثلاثة يتعلمون بمعهد الليسيه في مصر الجديدة. وهؤلاء الأبناء الثلاثة يختلفون عن أخيهم الأكبر الذي يتعلم في مدرسة مصرية. فأخوهم الأكبر يأخذ مصروفه على أسلوب رتيب لا يتغير ولا يتبدل؟ أما أولئك الثلاثة فيزعجون المنزل بالمطالب المتنوعة في كل يوم، وقد قاست أمهم ما قاست حين كنت بالعراق، فلما اختبرت الأمر بنفسي ضِقْتُ به ذرعاً لأول وهلة؛ ثم تبينت أن تلك المطالب المتنوعة هي شواهد الحيوية في الحياة المدرسية، فالتلميذ لا يجد الفرصة ليهدأ ويسكن، وإنما يشعر بالمسئولية تتجدد أمامه في كل لحظة، فهو اليوم في حاجة إلى كتاب، وكان بالأمس في حاجة إلى كراس، وهو غداً في حاجة إلى ثوب جديد للحفلات، وهو بعد شهر سيقدم إلى المدرسة ديناراً للاشتراك في رحلة مدرسية، إلى آخر مالا آخر له من موجبات اليقظة في المدارس الأجنبية

أقول إن هذه المطالب راعتني لأول وهلة، ثم رأيت أن هؤلاء الأبناء حالهم أحسن من حال أبيهم، الأب المسكين الذي يخترق شوارع القاهرة في كل يوم ولا يراها، لأنه لا يمتطي تراماً أو سيارة إلا وهو مشغول بمطالعة الجرائد والمجلات أو مراجعة بعض الأوراق

أترونني على حق في استحسان هذا المذهب في التثقيف؟

إن كنت مخطئاً فاعذروني لأن اتصالي بالأجانب حبَّب إلي الحركة وزهدني في السكون!

هل تصدقون أنني لا أستريح إلى الدعوة التي تكررها الجرائد في الصبح والظهر والمساء،

<<  <  ج:
ص:  >  >>