للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقد خابت الفلسفة اليونانية في أن تخرج ديناً عاماً يتبعه جميع اليونان، دع عنك أكثر الناس. وكانت كل مدرسة من مدارسها لا تظفر إلا بعدد محدود من التلاميذ لا يلبثون أن يتفرقوا بعد موت أستاذهم أو في حياته، من غير أن تقدم إحدى تلك المدارس إلى الناس وازعاً يقوم مقام وازع الوثنية التي كانت تضج بها معابدهم. ولا يزال (العقليون) خائبين في إيجاد ذلك الوازع الأدبي الذي يحكم الجماعة من الداخل كما تحكمها القوانين من الخارج. ذلك لأن الإنسانية ممدودة بالإلهام الذي يربطها بما وراء الطبيعة. ولن تستغني عن وازعه بما تقدمه لها العقول؛ إذ هي من جهة حائرة في أي العقول تتبع، ومن جهة أخرى هي لا تؤمن بما تصنعه هي، ولا تعتمد عليه في رغبتها ورهبتها. وما تقدمه إليها العقول مصنوع مخلوق أمامها فهو أرضى ضعيف غير ممدود بما وراء الطبيعة، فلا يعزى ولا يخيف ولا يرغب.

وهذا هو ما يسلمنا إلى الحديث عن (النبوة والرسالة) ووجوبهما. والعمدة فيهما على معرفة (الوحي) وقد خرج الحديث عن الوحي من منطقة الفلسفة إلى منطقة العلم بالبحوث العلمية الأخيرة في النفس الإنسانية وقواها وأسرارها. وهي بحوث مبنية على التجارب التي هي أداة (العلم) بمعناه الاصطلاحي الآن.

الرستمية

عبد المنعم خلاف

<<  <  ج:
ص:  >  >>