للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا حقاً حينئذ، فأما الآن وقد عقد بيننا وبين أوربا اتفاق مونترو، وقد ظفرت سوريا ولبنان ببعض الحرية، واستقلت العراق، فما أرى أن مصاعب سياسية تقوم دون هذا النوع من التعاون الثقافي بين الأقطار العربية التي تجمعها وحدة اللغة والدين والمثل الأعلى، والتي تشترك في منافع اقتصادية عظيمة الخطر.

ما أظن أن السياسة الوطنية لهذه الأقطار تكره أن تنشأ فيها مدارس مصرية تحمل إلى أبنائها ثقافة عربية شرقية، ويحملها إليهم معلمون شرقيون مثلهم وعرب مثلهم يتحدثون إليهم بلغتهم ويشاركونهم في الذوق والميل والشعور. وما أظن أن السياسة الأوربية تمانع في ذلك وقد تم الاتفاق بيننا وبين أوربا على أن تستقر في بلادنا مدارس أوربية وتستمتع بكل ما يمكنها من النهوض بمهمتها في حدود القوانين المصرية، وعلى أن يكون التبادل أساساً لهذا الاتفاق

وواضح أننا لا نريد أن ننشئ مدارسنا المصرية في فرنسا أو إنجلترا أو إيطاليا؛ ولكن من حقنا أن ننشئ المدارس المصرية في البلاد العربية التي تتأثر بسلطان هذه البلاد ونفوذها تأثراً قليلاً أو كثيراً

ومن المحقق أننا إذا أنشأنا المدارس المصرية في الأقطار العربية فسننشئها وسنسَّيرها على النحو الذي نحب أن تنشأ عليه المدارس الأجنبية في بلادنا وأن تسير عليه أيضاً. سننشئها على أنها معاهد للتعاون الثقافي بيننا وبين أهل هذه البلاد، لا يستأثر المصريون وحدهم بالعمل فيها، بل يستعينون بمن يقدرون على معونتهم من الوطنيين. ولا نفرض فيها الجغرافيا المصرية والتاريخ المصري دون الجغرافيا الوطنية والتاريخ الوطني، وإنما تكون معاهد ينشأ فيها الوطنيون لأوطانهم لا لمصر، وحسب مصر أنها تعين على ذلك وتشارك فيه وتؤدي ما عليها من الحق لجيرانها وشركائها في اللغة والدين والاقتصاد، وحسبها أن تظفر منهم بالحب والمودة والإخاء

وقد يقال إن أعباء الدولة المصرية أثقل من أن تسمح لها بمثل هذا التوسع في إذاعة الثقافة خارج حدودها على حين أنها في أشد الحاجة إلى إذاعة الثقافة داخل هذه الحدود. وقد يكون هذا حقاً من بعض الوجوه، ولكن من الحق أيضاً أن لحياتنا المستقلة تبعاتها، وأن التقصير في النهوض بهذه التبعات لا يلائم ما نزعمه لأنفسنا من الكرامة والزعامة

<<  <  ج:
ص:  >  >>